للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[تمهيد]

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وجعل العلم خير إرث لبني البشر، فكان إرث الأنبياء حيث يقول من حديث طويل: «إنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (١).

اما بعد فإن تأريخ الأمم يعني تاريخ حضارتها والخدمات التي قدمتها للانسانية. وهنا تكمن العظمة للأمة بمقدار ارتباطها بإشعاعات الحقبة التي حملت فيها مشعل الريادة (*) الحضاري تفاعلا مع الحضارات السابقة، وابتكارا مبدعا، ومدى التأثير الذي تركته مساهمتها في تقدم العقل البشري.

ولما كان التقدم العلمي يشكل الركيزة الأساس في بناء الحضارة فلا بد من التنويه بدور المكتبة العربية التي احتضنت تراث الأمم الفكري، ونتاج العقول العربية مذ كانت للعرب دولة وحتى مطلع القرن الرابع عشر الهجري، الأمر الذي يجعل اهتمامنا منصبّا على التراث المكتوب طالما أن للعناية بالثقافة الشفهية مجالا آخر يوم كانت الكلمة المسموعة أداة للثقافة في العصر الجاهلي حيث كان الذين يجيدون القراءة والكتابة قلة لا يعتد بها، مما أخّر ظهور التدوين فتأخر معه ظهور الثقافة المكتوبة.

وقد تحولت هذه الشفوية التي فرضها الواقع الجاهلي ودخلت مرحلة التنظير فيما بعد فقيل: «إن التنظير للشفوية الشعرية الجاهلية، عمل قام به العرب في بدايات التفاعل بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخرى» (٢).

ومهما يكن من أمر فلا يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن المجتمع الجاهلي كان بلا ثقافة، وكل الظواهر تدل على أهمية دور ثقافته المروية في تكوين جمهور على درجة عالية من الوعي ولو لم يتمكن من الوصول إلى المستوى المطلوب من التركيز والإحاطة اللذين توفرهما الثقافة المكتوبة.

ويقرر الواقع أن مجالات الثقافة العربية متعددة منها: الأدبي، واللغوي، والتأريخي، والديني، ثم المجالات الثقافية المستجدة التي نتجت عن احتكاك العقل العربي بالأمم الأخرى بعد الفتوحات الإسلامية. لذا سنعرض إلى العلوم عند العرب وبدايات التدوين


(١) أخرجه أبو داود من رواية كثير بن قيس برقم (٣٦٤١) باب الحث على طلب العلم. السنن،٣/ ١٧٥ والترمذي برقم (٢٨٢٣) السنن، (٤/ ١٥٣، كما رواه أحمد وابن حبّان في صحيحه وغيرهم، واسناده حسن، وابن الأثير، جامع الأصول،٨/ ٥.
(٢) الشعرية العربية، ص ١٤.

<<  <   >  >>