الأسماء كلّها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (١) ﴿قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا﴾ (٢) فلما أظهر الله الأشياء من مكنون علمه، وأبانها عن نافذ حكمه لم يستتر عنه شيء بحجاب، ولا يعرف عنده بظهور ولا اقتراب، وهو خلق الحجاب والمحجوب، وقدّر البعيد والقريب فعلم ما السماوات السبع إلى ما لا غاية له وعلم ما تحت الأرضين السبع إلى ما لا نهاية بعده. ولولا قوله ﵎ ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ [البقرة،٢/ ٢٥٥] لانتفي عنا العلم، لا سيما بقوله: ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ [البقرة،٢/ ٢٣٢.] وأما علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي لا يدرك بطلب، ولا يتوصّل إليه بحيلة ولا سبب، فهو تخصيص منه ﵎ بما شاء من علمه بوحي ينزله عليهم، أو بإلهام يقرّره في نفوسهم، ويمثّله في خواطرهم فيعلّمهم ما شاء من علمه، ويطلعهم على ما شاء من غيبه، فيكشف لهم الغطاء عن حقيقة الأشياء على ما هي عليه فيعرفونها مشاهدة بالبصيرة الباطنة فيخبرون عن صحة تثبت لهم بها تقليد المنزّل عليهم من الملائكة، ثم يكون الإلهام المقرّر في نفوسهم الواصل اليهم من النور الإلهي، فذلك ثلاث مقامات: وحيّ، وكشف، وإلهام يشركهم فيه الأولياء لا يتجاوزونه، وهذا تخصيص من الله تعالى لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، ولم يجعله علما كافيا، ألا ترى إلى احتياج موسى ﵊ إلى الخضر ﵇ في قوله تعالى حكاية عنه: ﴿هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشدا﴾ [الكهف،١٨/ ٦٦].
فصل: في تقدّم العلم على العمل وتقدّم الإيمان عليه.
اعلم أنّ العلم متقدّم الوجود على العمل، لأن العمل لا يكون إلاّ بعد العلم وهو ثبات صورة المعلوم، وتصوّر أشخاص المعاني في نفس العالم. والإيمان هو الذي يوجب العلم لأنه متقدّم الوجود عليه. ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما قالوا أولا بالدعوة إلى الإقرار بما جاءت به، والتصديق بما ادّعته مما صحّحته الدلائل، وصدّقته الآيات وكان غائبا عن تصوّر الأوهام، وتدبّر الأفهام. فإذا أقروا بالألسنة طلبوا بالتصديق، فإذا صدّقوا صحّ الإيمان فإذا صحّ الإيمان دعو إلى العلم المؤدّي إلى معرفة الواجب عليهم، الباعث على القيام باللازم لهم من شرائع دينهم، وتوابع دنياهم، لأنه ليس للسمع ولا للنطق حقيقة في نفع ولا ضرر إلا بصحّة ثبوت المعرفة في القلب فإنّ العلم ينقسم قسمين: ظاهر، وباطن.
فالظاهر: سماع بالأذن، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح.