للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والاحاطة بكل شيء، وكان الإقبال على العلوم كبيرا بحجم الإيمان الكبير الذي استولى على النفوس، وكان بعده الثراء الفكري الغزير وأصبح التباهي فيما بعد في اقتناء المكتبات الخاصة زينة العصر ناهيك عن المكتبات العامة التي أسسها الحكام والسلاطين، مما جعل مستشرقة مثل (زيغريد هونكه) تقول: «لقد أقبل العرب على اقتناء الكتب إقبالا منقطع النظير يشبه إلى حد كبير شغف الناس في عصرنا باقتناء السيارات والثلاجات وأجهزة التلفزيون» (١).

أثمر هذا النهج الذي شرعه الإسلام ما أشرنا إليه من ثراء فكري بنيت عليه حضارة الإسلام والعرب، ولكننا لا نستطيع أن ننكر دور الشعوب الأخرى التي دخلت في الإسلام، أو التي عاشت تحت راية الدولة الإسلامية، وهنا لا بد من الحديث عن حركة الفتوحات الإسلامية وبيان ما أثمرت على صعيد التقدم العلمي.

فتح المسلمون العراق وكان مسكنا لبعض القبائل العربية وبعض الفرس، ثم فتحت فارس وفيها خليط من الفرس واليهود والرومان، وتلتها الشام وقد تداولت عليه أمم ومدنيات مختلفة، وبعد الشام جاء دور مصر مهد الحضارات القديمة والوارثة لحضارتي اليونان والرومان، وفيها الاسكندرية وما تمثل من دور علمي حيث كانت مركزا للمذاهب الفلسفية، وبعدها بلاد المغرب العربي وكانت تحت السيطرة الرومانية، وإذا تابعنا مسيرتنا مع التأريخ نرى رايات المسلمين ترفرف فوق السند وبخارى وخوارزم وسمرقند والأندلس، وقد أصبحت هذه الأقطار الشاسعة بما تمثل من فكر وحضارة تحت سيطرة المسلمين، ونتج عن ذلك عملية مزج عميقة بين الفاتحين وأهل البلاد المفتوحة، وقد طال هذا المزج وهذا التأثير النظم الاجتماعية وأثر في العقل والفكر العربيين، وقد ساعد على ذلك عدة عوامل أهمها: تعاليم الإسلام وفكره المنفتح، واستعمال الإسلام للعلم بالمعنى الشمولي للكلمة أي بمعنى المعرفة وهو ما يفهم من قوله تعالى: ﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾ [يوسف،١٢/ ٧٦.] وقول النبي (الحكمة ضالّة المؤمن) (٢) ودخول كثير من الأعاجم في الإسلام والتزاوج والعيش المشترك.

كانت هذه العوامل وغيرها ذات تأثير كبير، وقد لقحت العقل العربي بنمط من التفكير جديد كما أن نظامي الاسترقاق والولاء في الإسلام سمحا بدخول العناصر الغريبة إلى داخل البيت العربي، ودخل مع هذه العناصر فكرها وحضارتها وعاداتها، ونتج عن ذلك بروز حركات علمية نوجزها فيما يلي:


(١) زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ص ٣٨٥.
(٢) أخرجه القضاعي في مسنده من حديث الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم مرفوعا، وكذا الترمذي في أواخر باب العلم، السخاوي، المقاصد الحسنة، ص ٢٠٢.

<<  <   >  >>