للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا فلابد أن يعلو بعضهم على بعض، فإن ما ذكرناه من جواز تمانعهما إنما هو مبني على جواز اختلاف إرادتهما، وذلك أمر لازم من لوازم كون كل منهما قادرا، فإنهما إذا كانا قادرين، لزم جواز اختلاف الإرادة. وإن قدر أن لا يجوز اختلاف الإرادة، بل يجب اتفاق الإرادة كان ذلك أبلغ في دلالته على نفي قدرة كل واحد منهما، فإنه إذا لم يجز أن يريد أحدهما ويفعل إلا ما يريده الآخر ويفعله، لزم أن لا يكون واحد منهما قادرا، إلا إذا جعله الآخر قادرا، ولزم أن لا يقدر أحدهما إلا إذا لم يقدر الآخر، وعلى التقديرين يلزم أن لا يكون واحد نهما قادرا، فإنه إذا لم يمكنه أن يريد ويفعل، إلا ما يريده الآخر ويفعله، والآخر كذلك- وليس فوقهما أحد يجعلهما قادرين مريدين - لم يكن هذا قادرا مريدا حتى يكون الآخر قادرا مريدا، وحينئذ فإن كان كل منهما جعل الآخر قادرا مريدا، كان هذا دورا قبليا، وهو دور في الفاعلين والعلل" (١) وهو ممتنع.

وقد أطال شيخ الإسلام في مناقشة هذا الأمر في بعض كتبه (٢) ، وبين صحة هذا الدليل وسلامته. فهو متفق مع الأشاعرة في ذلك، ونقاشه لبعضهم لا يتطرق لنتيجة الاستدلال المتفق عليها، وإنما أراد شيخ الإسلام أن يستكمل النقص الذي ظن الآمدي وغيره أنه ينال من صحة دليل التمانع وقوته.

٤- وقد ذكر شيخ الإسلام- في أثناء مناقشاته لدليل التمانع- أن القرآن الكريم جاء بالأدلة العقلية الواضحة على إثبات التوحيد لله تعالى، وبين أن من ذلك ما ذكره تعالى بقوله: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" [المؤمنون: ٩١] ، وذكر أن الآية دلت على برهانين يقينيين- وسماهما في شرح الأصفهانية لازمين- يدلان على إفراد الله تعالى بالألوهية.


(١) درء التعارض (٩/٣٥٦-٣٥٧) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٩/٣٦٢- ٣٧٠) ، وشرح الأصفهانية (١٠٣-١٣٤) ، ومنهاج السنة (٣/٣٠٥-٣١٣) - ط جامعة الإمام-، والصفدية (١/٩٢- ٩٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>