وهذه النقول لا تحتاج إلى تعليق، فهي تبين كيف أنه -رحمه الله- وهو يرد عليهم ويناقشهم لم ينسَ فضائلهم وجهودهم، بل نوه بها في مواطن كثيرة تكون لنفس البشرية فيها محبة للتقليل من شأن الخصم وتنقيصه.
خامساً: إنصافه لأعلام الأشاعرة.
أنصف شيخ الإسلام أعلام الأشاعرة، وعلى الرغم من مناقشاته الشديدة لهم إلا أنه ذكر ما عندهم من إيجابية وما لهم من جهود عظيمة في خدمة الإسلام والدفاع عنه، وما سبق في الفقرات الماضية يدل على هذا ونزيد الأمر أيضاً بذكر أقواله في بعض أعلامهم.
ويعتمد منهج ابن تيمية في ذلك على أمرين:
أحدهما: أن القاعدة عنده التي يطبقها على الأشاعرة وغيرهم هي التفريق بين العقيدة المسطرة في الكتب وبين أصحابها، فهو يحكم على ما هو مدون أو منقول من عقائد هؤلاء وأدلتهم ومناقشاتهم، ويبين ما في ذلك من خطأ أو صواب، فإذا ما وصل في الحديث إلى الشخص نفسه، صاحب العقيدة فإنه ينظر إليه نظرة أخرى مبنية على:
أ - أنه قد يكون صادقاً في خدمته للإسلام، ولا يحمل غشاً لأهله، ولذلك فهو لا يتعمد الكذب والافتراء.
ب - أنه مجتهد، وأن هذا الذي قاله هو مبلغ علمه، أو أنه كان مقلداً لغيره في هذه المسائل.
جـ - ما مات عليه هذا العم، فقد يكون ممن رجع وتاب، وصرح بذلك أو أنه في آخر عمره رضي مسلك أهل الحديث.
والثاني: أن لهؤلاء الأعلام - على أخطائهم - جهوداً لا تنكر في الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن العقيدة، والرد على أعدائها من الملاحدة والمتفلسفة والرافضة وغيرهم، وهي جهود تكون في موازينهم يوم القيامة ولا يحرمون أجرها عند الله تعالى.