للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم.

وهذا من الأصول العامة في منهج شيخ الإسلام في رده على الأشاعرة، الذين ابتدعوا أموراً لم تكن عند السلف، بل خالفت مذهبهم وعقيدتهم، فانحرفوا عن المنهج الحق، ووقعوا في كثير من الباطل، والتزموا لوازم كثير من بدع المعتزلة والمتفلسفة، فبين شيخ الإسلام أن مذهب السلف هو الحق والموافق للكتاب والسنة، وأنهم أعرف الناس وأحسنهم فهما للنصوص، وأن كل ما خالف عقيدتهم، أو عارض ما كانوا عليه أو ما فهموه من الكتاب والسنة فهو باطل يجب رده وتحذير أمة الإسلام منه. كما بين أنه إذا كان في الكتاب والسنة ما يغني ويكفي، فالمرجع في تمييز هذه القاعدة المسلمة وتحقيقها هو ما أجمع عليه السلف أو قالوه بياناً وتفسيراً وشرحاً.

ولما كان أهل الكلام - وفيهم الأشاعرة - قد ابتدعوا بعض الأصول والقواعد العقلية المخالفة لمذهب السلف - اضطروا وهم يواجهون معارضة علماء أهل السنة والجماعة إلى أن يبرروا مخالفتهم لمذهب السلف، فجاءت لهم بعض المقالات الغريبة، مثل ما حكاه ابن تيمية عن بعض النفاة أنه قال: " إن طريقة الخلف أعلمن وأحكم، وطريقة السلف أسلم (١) ، لأن طريقة الخلف فيها معرفة النفي، الذي هو عنده الحق، وفيها طلب التأويل لمعاني نصوص الإثبات، فكان في هذه عندهم علم بمعقول، وتأويل لمنقول، ليس في الطريقة التي ظنها السلف، وكان فيه أيضاً رد على من يتمسك بمدلول النصوص، وهذا عنده من إحكام تلك الطريق، ومذهب السلف عنده عدم النظر في فهم النصوص، لتعارض الاحتمالات، وهذا عنده أسلم، لأنه إذا كان اللفظ يحتمل عدة معانٍ، فتفسيره ببعضها دون بعض فيه مخاطرة، وفي الإعراض عن ذلك سلامة من هذه المخاطرة" (٢) .

فهذا ظن أن مذهب السلف هو الإيمان المجرد بألفاظ النصوص، دون فهم لمعانيها ومدلولاتها، ولذلك علّق شيخ الإسلام على هذا بقوله: " فلو كان قد


(١) انظر: حول هذه المقولة إتحاف السادة المتقين (٢/١١٢) .
(٢) درء التعارض (٥/٣٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>