هذه المسألة هي لب الخلاف في القدر، ولأجلها صار الناس فيه فرقا وأحزابا، ولكي تتضح الصورة، وتحديد موضع الخلاف، ينبغي أن يلاحظ ما يلي:
١- القدر له أربع مراتب هي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، فأما مرتبتا العلم والكتابة فلم ينكرهما إلا غلاة القدرية الذين يقولون إن الأمر أنف، أي لم يسبق الله فيه علم، وقد تبرأ منهم الصحابة - رضي الله عنه -.
أما بقية الطوائف فهم مقرون بهاتين المرتبتين.
٢- أما مرتبنا: المشيئة والإرادة، والخلق، فقد وقع فيهما الخلاف على قولين:
أحدهما: إنكار هاتين المرتبتين، وهذا مذهب المعتزلة - ومن وافقهم - الذين يقولون إن الله لا يريد الكفر والمعاصي، ويقولون إن الله لا يخلق أفعال العباد، وإنما هم الخالقون لأفعالهم.
والثاني: الإقرار بهاتين المرتبتين. بإثبات الإرادة والمشيئة الشاملة، والقول بأن الله خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد. وهذا قول الجمهور من أهل السنة، والجهمية، والأشاعرة والماتريدية ومن وافق هؤلاء.
ولكن أفعال العباد لها متعلقان:
أحدهما: بالخالق تعالى، فهذا قد اتفق فيه أهل السنة والأشاعرة على أن الله خالق أفعال العباد.
والثاني: بالعبد، وله له قدرة أو لا، وهل قدرته مؤثرة أو غير مؤثرة. وهذه وقع فيها الخلاف بين الطوائف إلى حد كبير.
وهذه القدرة التي بها يتمكن العبد من الفعل، هي التي تسمى بالاستطاعة.
ولتوضيح هذه المسألة - مسألة علاقة أفعال العباد بهم - لا بد من عرض الخلاف من خلال أمرين: