عرضنا فيما سبق لمذهب ابن كلاب ومدرسته، وتبين أن مذهبهم في الصفات وكلام الله هو مذهب أبي الحسن الأشعري، والأشعري كان أحد تلامذة الكلابية، لذلك فلتحديد نشأة الأشعرية لا ينفك الأمر من حالين:
الحالة الأول: النظر إلى حقيقة المذهب الذي تميز به الأشاعرة عن غيرهم، فهنا لا ترتبط النشأة بأبي الحسن الأشعري، وإنما ترتبط بابن كلاب ومدرسته الكلابية.
الحالة الثانية: النظر إلى التشمية، فلا شك أن التسمية بالأشاعرة أو المذهب الأشعري مرتبطة بأبي الحسن الأشعري وتلامذته من بعده.
ويتضح الفرق بالنسبة لمن كان معاصرا للأشعري وتتلمذ على ابن كلاب أو تلامذته دون الأشعري وتلامذته مع أنه يقول بقول ابن كلاب الذي هو قول الأشعري، فمثل هذا أشعري الاعتقاد لكنه لا ينسب إلا إلى ابن كلاب، وفي خراسان وغيرها من بلاد الإسلام النائية قد توجد مثل هذه النماذج، ولذلك لما عرض شيخ الإسلام ابن تيمية لنشأة المذهب الكلابي في كلام الله ربطه بابن كلاب ومدرسه، فقال: " وكان ... قد نبغ في آواخر عصر أبي عبد الله [أحمد ابن حنبل] من الكلابية ونحوهم؛ أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد ابن كلاب البصري، الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيه نوع من البدع، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية - نفاة الصفات والعلو - من الدلائل والحجج وبسط القول ما بين به فضله في هذا الباب، وإفساده لمذاهب