سبق في الباب الأول عرض موسع وشامل عن ابن تيمية وحياته ومنهجه وعن الأشاعرة ونشأتهم وتطور مذهبهم، وهذا الباب لبيان موقف ابن تيمية منهم سلباً وإيجاباً.
وإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية قد أنصف خصومه - من غير الأشاعرة - وهم أشد بعداً وانحرافاً منهم عن مذهب السلف، وقد سبق ذكر أمثلة لذلك في منهجه في الرد على الخصوم (١) - فلا شك أنه سيكون من أصول منهجه وموقفه من الأشاعرة إنصافهم وبيان مواقفهم الإيجابية، مع رده عليهم ومناقشته لهم في الأمور التي خالفوا فيها مذهب ومنهج السلف.
لذلك كان من مقتضيات تكامل المنهج - في هذا الباب - أن يأتي على فصلين:
أحدهما: بيان مواقفهم الإيجابية والاعتراف بما معهم من الحق.
والثاني: بيان مواقفهم السلبية، وذلك بالرد على الانحرافات التي وقعوا فيها ومناقشتها بالتفصيل.
وشيخ الإسلام من خلال هذا المنهج المتكامل سار على طريقة متوازنة، فالأشاعرة الذين رد عليهم طويلاً لم تمنعه هذه الملاحظات من أن يقول عنهم: إنهم من أهل السنة، وإنهم ليسوا كفاراً باتفاق المسلمين، كما لم تمنعه من التنويه بجهودهم العظيمة في الدفاع عن الإسلام، والرد على خصومه الحاقدين عليه من الفلاسفة والباطنية والرافضة والمعتزلة وغيرهم، وبالمقابل فاعتراقه بهذه الجهود لم ينسه أن هؤلاء بشر يصيبون ويخطئون، وأن ما وقعوا فيه من مخالفة لعقيدة السلف لا يجوز السكوت عنها، بل يجب بيان الحق للناس والرد على من خالفه ولو كان من أهل الفضل والعمل الصالح.