النقد الذي وجهه شيخ الإسلام للمتكلمين - وفيهم الأشاعرة - من خلال هذا الموضوع - نقد فريد من نوعه، وهو يعتبر من أشد وأقسى ما وجه لهم من نقد. وتفرد شيخ الإسلام - فيما أعلم - بالتركيز على هذه المسألة إنما جاء نتيجة خبرته الواسعة بأقوال أهل الكلام وبأقوال أهل الفلسفة والباطنية، الذين كانوا يمثلون خطراً سياسياً وعقدياً على المجتمعات الإسلامية، خاصة قبيل وأثناء حياة شيخ الإسلام.
والناظر في تاريخ الفلاسفة، وتاريخ الحركات الباطنية، كالإسماعيلية ودولة الفاطميين، والقرامطة، وغيرها، يرد عليه سؤال محير، خلاصته: أن هذه الحركات الفلسفية والباطنية إذا كانت تقوم على صريح الكفر والإلحاد وتعطيل الشرائع، فكيف وجدت لها موطأ قدم، بل وأتباعاً بين المسلمين؟ وكيف لا تمضي فترة على شهرة الفيلسوف إلا وقد صار له أتباع وتلاميذ؟ وكيف أرسلت الدولة الفاطمية الباطنية دعاتها في مختلف أقطار العالم الإسلامي ليدعوا إلى نحلتهم، ثم يجد كثير من هؤلاء من يستجيب لهم؟. صحيح أن هؤلاء كانوا يستخدمون أساليب ملتوية، ويتظاهرون بالتشيع والرفض، ويقصدون أنواعاً من المناطق لا تخلو من وجود من يتستر بالزندقة، ولكن لماذا لم يبعث اليهود أو النصارى - وأولئك أشد كفراً منهم - بمن يدعو إلى نحلهم ومللهم، ولا شك أنهم سيحاولون لو كانوا يجدون من يستجيب لهم؟.
إن جانباً كبيراً من مدلول هذه الأسئلة يفسره هذا التسلط من جانب هؤلاء الملاحدة على المتكلمين المنتسبين إلى الأسلام، حين تلاعبوا بنصوص الوحي من الكتاب والسنة وأعملوا فيها آراءهم وعقولهم تأويلاً وتحريفاً.
إن الفيلسوف أو القرمطي لن يجد المشقة في إقناع أتباعه بما عنده من سفسطة أو قرمطة، إذا أطلعهم على أقوال وتأويلات هؤلاء المتكلمين - وقد يكون فيهم من هو من فقهاء الأمة وأعلامها - لأنه سيجد عند هؤلاء مقالات عجيبة،