للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا يدعي بعقله شيئاً وذلك يدعي بعقله شيئاً مخالفاً لهذا الذي ادعاه الأول، ومن ذلك أن أكثر العقلاء يقولون: نحن نعلم بضرورة العقل وامتناع رؤية مرئى بلا مقابلة ولا جهة، وبعض العقلاء يقولون: إن هذا ممكن.. وهكذا (١) .

وقد صاغ شيخ الإسلام معارضة قانونهم في موضع آخر بقوله: " يعارض دليلهم بنظير ما قالوه، فيقال: إذا تعارض العقل والنقل، وجب تقديم النقل، لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، وإذا أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضاً للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء، فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه، فلا يجوز تقديمه، وهذا بين واضح؛ فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، وأن حبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون هذه الأدلة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العق دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلاً صحيحاً لم يجز أن يتبع بحال، فضلاً عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله.. " (٢) .

والعقل إنما دل على صدق النقل، وثبوت ما جاء به في نفس الأمر، فإذا قيل: إن العقل عارض هذا النقل كان ذلك قدحاً في العقل الدال على النقل من باب أولى، وقد أورد شيخ الإسلام اعتراضات كثيرة وأجاب عنها (٣) .

رابعاً: أن أمور السمع - التي يقال: إن العقل عارضها - معلومة بالاضطرار وذلك كإثبات الصفات والمعاد ونحو ذلك، فإن هذه " مما علم الاضطرار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء بها، وما كان معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام


(١) درء التعارض (١/١٤٥-١٤٦) .
(٢) المصدر السابق (١/١٧٠-١٧١) .
(٣) المصدر نفسه (١/١٧٣-١٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>