للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا لم يثبت عنده الدليل النقلي الذي عارضه العقل عندهمن ليس نقلاً ثابتاً في نفس الأمر - لأنه إما أخبار آحاد، أو غير معروف مراد المتكلم به، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال: إن العقل عارضه، والمعارضة إنما تكون لنقل صادر عن رسول الله الصادق، ثابت عنه بطرق صحيحة، معروف مراده به لأنه بينه أتم البيان وأوضحه، ومن ثبت لديه هذا النقل بهذه الصفة لم يقدم عليه غيره لا دليلاً عقلياً ولا غيره.

ثالثاً: مقابلة هذا القانون الفاسد بقانون شرعي مستقيم

وكثيراً ما يستخدم شيخ الإسلام هذا المنهج، يقابل الأقوال الفاسدة التي يدعي الخصوم صحتها، بأقوال أخرى صحيحة تكون أكثر إحكاماً وأقوى دلالة، وأكثر إقناعاً، فمثلاً يقول في مقابلة هذا القانون الفاسد: " إذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع؛ لأن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر بهن ولا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل، ومعلوم أن هذا إذا قيل أوجه من قولهم" (١) ، ويضرب شيخ الإسلام لذلك مثلاُ بالعامي إذا علم عين المفتي، ثم دل غيره وبين أنه علم أنه مفتٍ، فإذا اختلف العامي الدال، والمفتي، فيجب على المستفتي أن يقدم قول المفتي، فإذا قال العامي أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ، فيقول له أنت لما شهدت بأنه مفت ودللت عليه شهدت بوجوب تقليده، دون تقليك (٢) .

ويقول شيخ الإسلام في وجه آخر: " تقديم المعقول على الأدلة الشرعية ممتنع متناقض، وأما تقديم الأدلة الشرعية فهو يمكن مؤتلف، فوجب الثاني دون الأول " (٣) ، وذلك لأن الشرع واحد، مستقيم وهو قول الصادق فلا يختلف باختلاف أحوال الناس، أما العقول فمختلفة متفاوته، فقد يعلم زيد بعقله ما لا يعلمه عمرو، بل إن زيداً نفسه يعلم بعقله في وقت ما يجهله في وقت آخر.

وقد ضرب شيخ الإسلام لذلك بعدة أمثلة واقعية بين العقلاء في أمور عقدية،


(١) انظر: درء التعارض (١/١٣٨) .
(٢) انظر: درء التعارض (١/١٣٨) .
(٣) انظر: درء التعارض (١/١٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>