للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الوجه قوى إن ثبت حديث ابن إسحاق في وفد نجران أنهم احتجوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله (إنا) و (نحن) ونحو ذلك (١) ، ويؤيده أيضا أنه قد ثبت أن في القرآن متشابها وهو ما يحتمل معنيين، وفي مسائل الصفات ما هو من هذا الباب كما أن ذلك في مسائل المعاد وأولى، فإن نفي المتشابه بين الله وخلقه أعظم من نفي المتشابه بين موعود الجنة وموجود الدنيا.

وإنما نكتة الجواب هو ما قدمناه أولا أن نفي علم التأويل ليس نفيا لعلم المعنى" (٢) ، ثم زاده شيخ الإسلام تقريراً وشرحا بشواهد الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر السلف والأئمة الذين تكلموا في نصوص الصفات وغيرها، وفسروها بما يوافق دلالاتها وبيانها، وحرص عبد الله بن مسعود على تعلم التفسير، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس، وتعلم جميع الصحابة التفسير مع التلاوة، وأقوال الأئمة، كل ذلك أدلة واضحة لمن هداه الله على إثباتهم للصفات التي دلت عليها النصوص، مع نفي العلم بالكيفية.

وبهذا يتبين أنه على القول بأن الصفات ليست من المتشابه مطلقا، أو القول بأنها من المتشابه - بالمعنى السابق - ليس لأهل الكلام ولا لغيرهم دليل على زعمهم أنه يلزم فها تفويض السلف للمعنى والكيفية، أو تأويلها بما يوافق عقولهم الفاسدة.

[الفرع الثاني: التأويل والمجاز]

بين التأويل والمجاز علاقة واضحة (٣) ، ويجمعهما أنهما صارا مطية لكثير من الفرق الضالة في تعاملها مع النصوص لتوافق ما لديهما من اعتقادات فاسدة، والين بحثوا في هذين الموضعين - من منطلق لغوي - وجدوا أن الكلام فيهما نشأ وترعرع في أحضان أهل الكلام من المعتزلة والباطنية وغيرهم (٤) ، وفي العصر


(١) انظر: سيرة ابن هشام (٢/٢٢٤) ، والروض الأنف (٥/١٠) .
(٢) الأكليل في المتشابه والتأويل - مجموع الفتاوى - (١٣/٣٠٦) ، وانظر ظاهرة التأويل وصلتها باللغة (ص:١١٧-١١٨) .
(٣) انظر: ظاهرة التأويل وصلتها باللغة للسيد أحمد عبد الغفار (ص:١٦٦-١٧٤) .
(٤) انظر: المصدر السابق (ص: ٤٧) وما بعدها، و (ص: ٧٢) وما بعدها، وانظر أيضاً: فلسفة المجاز تأليف لطفي عبد البديع (ص:٢٢) وما بعدها، وانظر أيضاً: التصور اللغوي عند الإسماعيلية (ص:١٢٧) وما بعدها، وكتاب التأويل الإسماعيلي الباطني ومدى تحريفه للعقائد الإسلامية (ص:٢١) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>