يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية من علماء السلف الذين انتقدوا مذهب الأشاعرة وقد ألف في ذلك كتباً مطولة، وكان معنياً ببيان تناقضاتهم ومخالفتهم لمذهب السلف، كما كان معنياً ببيان الأصول الفاسدة - وهي أصول فلسفية واعتزالية - التي أدت بهم إلى هذا الانحراف، ولذلك صار في عرف كثير من الباحثين تصنيفه على أنه خصم لدود للأِشاعرة، وفات هؤلاء أنه مع خصومته لهم وردوده القاسية عليهم لم ينسَ إنصافهم، كما لم ينسَ ما قاموا به من جهود عظيمة في كبح جماح كثير من الملاحدة والرافضة والمعتزلة وغيرهم.
والعجيب أن شيخ الإسلام لما أنصف خصومه لم ينصفوه بل رموه بعظائم الأمور، ولفقوا عليه كثيراً من التهم الباطلة، فكم من محنة جرت له في حياته بسببهم حتى لقي ربه وهو في السجن، أما بعد وفاته فليست حاله وحال كتبه أحسن منها في حياته، والكل سيقفون بين يدي حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة.
وقبل أن نذكر نماذج من مواقفه الإيجابية من الأشاعرة لابد من بيان الملاحظات التالية:
١- أن شيخ الإسلام بنى ذلك على أصل ثابت عنده، وهو تفاوت الطوائف في القرب والبعد من الحق، فيسلك مع الأشاعرة هذا المسلك، يقول شيخ الإسلام معلقاً على مسألة تأثر الأشاعرة بالمعتزلة: " مع أنه يمكن بيان أن قول الأشعري أقرب إلى صريح المعقول من قول المعتزلة، كما يمكن أن يبين أن قول المعتزلة أقرب إلى صريح المعقول من قول الفلاسفة، لكن هذا يفيد أن هذا القول أقرب إلى المعقول وإلى الحق، ولا يفيد أنه هو الحق في نفس الأمر، فهذا ينتفع به من ناظر الطاعن على الأشعرية من المعتزلة، والطاعن على المعتزلة من الفلاسفة، فتبين له أن قول هؤلاء خير من قول أصحابك، فإنه كما أن كل من كان أقرب إلى السنة فقوله أقرب إلى الأدلة الشرعية، فكذلك قوله أقرب إلى الأدلة العقلية، ولا ريب أن هذا مما ينبغي سلوكه، فكل قول - أو قائل -