للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن شيخه الشحام كان مقدما عند قائد الزنج، الذين أثاروا فتنة عظيمة (١) ، وأن ذلك كان وقت أفول نجم المعتزلة، فلا يستبعد أن تكون له بعض المواقف. والله أعلم.

هذه مرحلة الأشعري الأولى، وقد تبوأ فيها مكانة عالية خاصة عند شيخه الجبائي، الذى كان ينيبه في بعض مناظراته، يقول ابن عساكر- عن العسكرى-: " كان الأشعري تلميذ الجبائي يدرس عليه فيتعلم منه ويأخذ عنه، لا يفارقه أربعين سنة، وكان صاحب نظر في المجالس، وذا إقدام على الخصوم، ولم يكن من أهل التصنيف، وكان اذا أخذ القلم يكتب وربما ينقطع وربما يأتي بكلام غير مرضي، وكان أبو على صاحب تصنيف وقلم، إذا صنف يأتي بكل ما أراد مستقصي، وإذا حضر المجالس وناظر لم يكن بمرض، وكان إذا دهمه الحضور في المجالس ييعث الأشعري ويقول له نب عني، ولم يزل على ذلك زمانا" (٢) ، وقد دافع ابن عساكر عما في هذه الحكاية من رداءة تصنيفه بأن ذلك كان في أول أمره قبل اهتدائه (٣) .

[ب- رجوعه عن الاعتزال وأسبابه]

أعلن الأشعري رجوعه عن الإعتزال، فقد غاب في بيته ثم خرج إلى الناس بعد صلاة الجمعة وأعلن رجوعه عليهم، وإنه يتبرأ من جميع أقواله السابقة، وأظهر بعض مؤلفاته الجديدة، والملاحظ أن مترجمي الأشعري يشيرون الى أن مدة مقامه في الاعتزال أربعين سنة، فإذا كان الأشعري ولد سنة ٢٦٠ هـ والجبائي توفي سنة ٣٠٣ هـ ورجوع الأشعري كان قبل وفاة الجبائي لأن الجبائي نفسه رد على الأشعري، فالأولي أن يعتبر هذا الكلام تقريييا وأن المقصود أن رجوع الأشعري كان وهو قريب من الأربعين في عمره، ولذلك عبر البعض بأن إقامة الأشعري في الاعتزال كانت عدة سنين (٤) .


(١) سبقت الإشارة اليها في أول هذا الفصل، وانظر: الجبائيان (ص:٣٧٧-٢٨٣) .
(٢) تبيين كذب المفترى (ص:٩١) .
(٣) انظر المصدر السابق (ص:٩١-٩٢) .
(٤) انظر: الخطط للمقريزي (٢/٣٥٩) ، بولاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>