للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان رجوع الأشعري عن الاعتزال بعد هذه المدة التي تعتبر طويلة إضافة الى المفاجأة في ذلك، فقد كثرت الأقوال في أسباب رجوعه، ويمكن حصر أهمها فيما يلي:

ا- فالنوع الأول من الأسباب المباشرة للتحول: الرؤيا، وتتعدد الروايات في ذلك، فمنها ما ورد " أن الشيخ أبا الحسن-رحمه الله- لما تبحر في علم كلام الاعتزال وبلغ غاية، كان يورد الأسئلة على أستاذيه في الدرس، ولا يجد فيها جوابا شافيا فتحير في ذلك، فحكى عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم، وقمت فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فشكوت إليه بعض مابي من الأمر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليك بسنتي، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ماسواه ورائي ظهريا" (١) ، وهذه الرواية ينتهي اسنادها الى بعض الأصحاب، دون تحديد، وفي رواية أخرى أطول: وأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام في رمضان عدة مرات، ويطلب منه نصرة المذاهب المروية، وان الأشعري قال له في رؤياه اياه ليلة سبع وعشرين: كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ئلاثين سنة لرؤيا، فقال لي لولا أني أعلم أن الله تعالى يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين لله وجوهها وكأنك تعد إتياني اليك هذا رؤيا، أو رؤياى جبريل كانت رؤيا، إنك لا تراني في هذا المعنى بعدها، فجد فيه فإن الله سيمدك بمدد من عنده، قال فاستيقظت وقلت مابعد الحق الا الضلال، وأخذت في نصرة الأحاديث في الرؤية والشفاعة والنظر وغير ذلك، فكان يأتيني شيء ما سمعته من خصم قط، ولا رأيته في كتاب فعلمت أن ذلك من مدد الله تعالى الذي بشرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (٢) ، وهي رواية تنتهي إلى مجاهيل، ويورد القاضي عياض هذه الرواية بلا إسناد ويذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -


(١) التبيين (ص: ٣٨-٣٩) .
(٢) المصدر السابق (ص:٠ ٤- ٤١) ، وطبقات السبكي (٣/٣٤٨-٣٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>