أن المصادر التي يرجع إليها في بيان عقيدته هي كتبه الثابتة عنه، أما ماعدا ذلك من المصادر فالجزم بنسبة القول إليه منها لا يخلو من محاذير، والسبب في ذلك - فوق ما في النقل من مظنة تغير العبارات أو الزيادة والنقص- أن الأشعري بالذات له منزلة خاصة لدى أتباعه الذين ينتسبون إليه، والذين طوروا مذهبه وغيروا فيه واقتربوا كثيرا من المعتزلة، لذلك فأقواله التي تخالف ما هم عليه لن تكون محل ارتياح لهم مما قد يؤدى الى تحريف كلامه وأن ينسب إليه ما لم يقله. وأقرب مثال على ذلك مسألة الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين فقد نسب اليه المتأخرون أن له فيها قولين: الإثبات مع التفويض أو التأويل، وهذا غير صحيح مطلقا.
الأمر الثاني:
جمع ابن فورك مقالات الأشعري في كتاب كبير، وذكر فيه قضايا عديدة من مسائل العقيدة، ومن دقائق علم الكلام، مما لم يوجد في كتبه التي وصلت إلينا، وقد قال محقق الكتاب عن قيمته بالنسبة لفكر الأشعري:" سوف تدرك - دون كبير جهد- أهمية هذا الكتاب البالغة، صحيح أن فكر الأشعري لم يكن مجهولا لدينا تماما، فالجوهري منه على الأقل قد وصلنا، خصوصا في كتاب " اللمع" إلا أن ذلك يعد نزرا يسيرا إذا ما قيس بفيض المعلومات التي يزودنا بها كتاب المجرد، ولعلنا لا نبالغ كثيرا إذا نحن تحدثنا بهذا الخصوص عن بعث لفكر الأشعري، ذلك أننا هنا إذا كان البعض لا يزال يشك- لفرط ما كان الأشعري ضحية للأفكار الخاطئة- أننا هنا أمام فكر الأشعري الحقيقي كاملا غير منقوص، لا يؤكد ذلك فقط أن مرجعنا هو ابن فورك، ولا يؤكد ذلك فقط الرجوع الكثير إلى مؤلفات الأشعري " إلى ثلاثين منها، وبعضها يذكر أكثر من عشر مرات" وإنما كذلك المطابقة التامة بين الآراء التي يوردها الكتاب وبين الآراء التي ترد في اللمع أو تلك التي ينقلها أبو منصور البغدادي والجويني وأبو القاسم الأنصاري وغيرهم ".