للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" هكذا يستعيد الأشعري بصورة نهائية هويته الحقيقية: هويته لا بوصفه تلميذا إمعا لابن حنبل، وإنما باعتباره متكلما حقيقيا من متكلمي عصره، وتلميذا خليقا بشيخه أبى علي الجبائي، متكلما كشيخه، يقطع برأي نفسه في المسائل المختلفة، ويخوض ببراعة شيخه في جميع لطائف "دقيق" الكلام، هويته كرجل استحق بجدارة أن يطلق اسمه على كل المدرسة التي انتسبت إليه" (١) .

ولا شك أن من اطلع على "المجرد" يرى أن هذا الكلام صحيح في الجملة، ويعلل كثيرا من الأمور- المثيرة للتساؤل- ومنها: لماذا كان موقف علماء السلف من الأشعري بهذه الشدة؟، ولماذا نسبت هذه المدرسة- التي قربت كثيرا في مراحلها الأخيرة من المعتزلة- إلى أبي الحسن الأشعري دون غيره؟.

ومع ذلك فالكتاب منطو على مشكلة- عسير حلها- ألا وهي مدى الدقة في نسبة الأقوال إلى الأشعري في هذا الكتاب لأن ابن فورك تصرف في النقل- كما أشار إلى ذلك في مقدمة وخاتمة الكتاب- وقد سبق شرح ذلك في آخر مؤلفات الأشعري (٢) .

لذلك فكتاب المجرد يعطي رأيا مجملا في منهج الأشعري الكلامي وأنه خاض في هذه القضايا كلها خوض أهل الكلام، لكنه لا يعطي رأيا محددا في مسألة معينة يمكن أن نطمئن على أنها من كلام الأشعري الا بعد مقارنات بما نقله عنه الآخرون.

الأمر الثالث:

لاشك أن الأشعري جاء بقول توسط فيه بين أقوال المعتزلة وأقوال أهل السنة:


(١) المجرد، مقدمة المحقق (ص: ٤- هـ) - ت-- دانيال جيماريه.
(٢) (ص: ٣٥٩-٣٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>