لقد كانت لشيخ الإسلام ابن تيمية مواقف إيجابية من الأشاعرة، أنصفهم فيها، وحمد ما قاموا به من الجهود الكبيرة في الدفاع عن الإسلام، ولكن هذه المواقف لم تمنعه من الرد على انحرافاتهم وأخطائهم ومناقشتها بالتفصيل، وقد بذل - رحمة الله - في ذلك جهوداً عظيمة، وألف فيه كتباً كثيرة، أرجع فيها الفروع إلى الأصول، والمسائل الصغيرة إلى أصولها الكبار، وبين الخلفيات والأسباب التي دعت هؤلاء إلى أن يقولوا بأقوال ويعتقدوا عقائدهم المخالفة للكتاب والسنة، وقد كان لخبرته بأصول أهل الضلال من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة ومعرفته بمداخل مذاهبهم، وكيف يرتبون المسائل بعضها على بعض أثر كبير في قوة منهجه، وغوصه في حجبه، وإحراج خصومه عند الرد والمناقشة، وكان من آثار ذلك أن نال منه خصومه، واعتبروه خصمهم اللدود، ولما لم يقووا على مناقشته ورد ما أتى به مما يبهر العقول وينير السبيل لطالب الهدى، لجأوا إلى أساليب أخرى تبتعد عن مناقشة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، من استعداء للسلطة، أو رميه بما هو بريء منه كذباً وزوراً، أو تشويه لأقواله وتصويرها بصورة تنفر منها نفوس عامة الناس كما فعل أشياخهم من قبل مع أشياخ أهل السنة حين رموهم بالحشو والتشبيه وغير ذلك مما هو مسطر مشهور في كتبهم، ولكن ذلك لم يثن عزم شيخ الإسلام - كما لم يثن شيوخ أهل السنة قبلهـ عن أن يبين للناس الحق، ويرد الباطل الذي جاء به أهل الكلام والفلسفة من الأشاعرة وغيرهم.
وقد كان اهتمام شيخ الإسلام بالرد على الأشاعرة كبيراً، ويكفي كمثال على ذلك أن كتابين من أكبر كتبه أفردهما في الرد عليهم، وهما كتاب نقض أساس التقديس، ودرء تعارض العقل والنقل، إضافة إلى الكتب العديدة التي أفردها في ذلك - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمة -.
وردود شيخ الإسلام عليهم ركزت على الأصول التي بنوا عليها مذهبهم، كما أنها لم تغفل الجزئيات والمسائل الفرعية العقدية، وذلك في مسائل توحيد الربوبية والألوهية، والصفات، والقدر، والإيمان، والنبوة، وغيرها.