ومن المفيد جداً قبل الدخول في مناقشاته وردوده التفصيلية على الأشاعرة استقراء منهجه العام في الرد عليهم، لأن هذه الخطوط العريضة توضح جوانب من منهجه قد لا تتضح من خلال الردود التفصيلية المطولة، كما أها تبرز الجوانب الجوهرية والملاحظات الأساسية على مذهب الأشاعرة، والتي بسببها وقعوا في الأخطاء والانحرافات التفصيلية.
وقد كانت لشيخ الإسلام لمحات وإشارات مهمة، نظراً لطول مراسه في هذا الباب، واهتمامه الشديد به:
١- فهو الخبير بالمذهب الأشعري - بل وكل مذهب رد عليه كما سبق في منهجه - والمتتبع لما كتبه عن الأشاعرة يرى هذا بارزاً، فاطلاعه على تاريخ المذهب الأشعري نشأة وتطوراً، وتاريخ رجاله، وما جرى لهم مع خصومهم من أحداث، وكذا كتبهم التي ألفوها خدمة لمذهبهم أو رداً على خصومهم، على مختلف البلدان والأزمان التي عاشوا فيها - اطلاعه على ذلك واسع جداً، إلى حد أن أحداً من أصحاب هذا المذهب نفسه لا يجاريه في ذلك.
وشيخ الإسلام حينما يرد على مقالة أحد الأشاعرة لا يكتفي بالرد عليها ونقضها مباشرة، وإنما يأتي بالردود من وجوه عديدة، فقائل هذه المقالة إن كانت له كتب أخرى، أو لشيوخه الذين تتلمذ عليهم، أو لشيوخ المذهب عموماً اطلع عليها واستخلص منها ما يرد على صاحب المقالة ويبين عدم ثقته هو أو ثقة شيوخه بهذا الكلام الذي يقوله في المقالة أو الكتاب المردود عليه، وقد أتى شيخ الإسلام في ذلك بأعاجيب.
٢- وقد اختار في ردوده ومناقشاته أن تكون مشتملة على نقل كلام رؤوس الطوائف، ويعلل ذلك بقوله - في معرض بيان أن المتكلمين ضعفت ردودهم على الفلاسفة لأنهم قابلوا الفاسد بالفاسد - " وإنما يحصل النور والهدى بأن يقابل الفاسد بالصالح، والباطل بالحق، والبدعة بالسنة، والضلال بالهدى، والكذب بالصدق، وبذلك يتبين أن الأدلة الصحيحة لا تعارض بحال، وأن المعقول الصريح مطابق للمنقول الصحيح " ثم يقول: " وقد رأيت من هذا عجائب فقل أن رأيت حجة عقلية هائلة لمن عارض الشريعة قد انقدح لي وجه