للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أبو بكر بن العربي المعافري الأشبيلي (١) ، فقد تتلمذ على الغزالي بلا شك وتأثر به وإن كان قد نقده في بعض المواضع، بل ونقد بعض شيوخ الأشاعرة كالأشعري والباقلاني والجويني (٢) ، لكنه مع ذلك بقي ملتزماً بمذهب الأشاعرة في الصفات وغيرها (٣) ، بل ودافع عن منهجهم فقال: " فإن قيل فما عذر علمائكم في الإفراط بالتعلق بأدلة العقول دون الشرع المنقول في معرفة الرب، واستوغلوا في ذلك؟ قلنا: لم يكن هذا لأنه خفي عليهم أن كتاب الله مفتاح المعارف ومعدن الأدلة، لقد علموا أنه ليس إلى غيره سبيل ولا بعده دليل، ولا وراءه للمعرفة معرس ولا مقيل، وإنما أرادوا وجهين: أحدهما: أن الأدلة العقلية وقعت في كتاب الله مختصرة بالفصاحة، مشاراً إليها بالبلاغة مذكوراً في مساقها الأصول، دون التوابع والمتعلقات من الفروع، فكمل العلماء ذلك الاختصار، وعبروا عن تلك الإشارة بتتمة البيان، واستوفوا الفروع والمتعلقات بالإيراد ... الثاني: أنهم أرادوا أيبصروا الملاحدة ويعرفوا المبتدعة أن مجرد العقول التي يدعونها لأنفسهم، ويعتقدون أنها معيارهم لاحظ لهم فيها.." (٤) ،

وهذا الكلام - بما فيه من لمز خفي بكتاب الله وكمال بيانه - استقاه ابن العربي من شيوخه الذين أمر بالاقتداء بهم في التأويل حين قال حول صفات اليد، والقدم، والأصابع، والنزول: " اسرد الأقوال في ذلك بقدر حفظك، وأبطل المستحيل عقلاً بأدلة العقل، والممتنع لغة بأدلة اللغة، والممتنع شرعاً بأدلة الشرع، وأبقَ الجائز من ذلك كله بأدلته المذكورة، ورجح بين


(١) سبقت ترجمته (ص:٢٥٢) .
(٢) انظر: عارضة الأحوذي (١٠/٦٨) ، وقانون التأويل (ص: ٤٦٢،٥٠٧، ٥٥٩) والعواصم (ص:١٠٦، ١٢٧،١٣٤) .
(٣) لابن العربي كتاب اسمه " المتوسط في الاعتقاد " اعتمد فيه على أقوال الأشاعرة، كما أن له كتاباً اسمه: الأمد الأقصى شرح أسماء الله الحسنى، تابع فيه الغزالي في كتابه: المقصد الأسني وتأثر به: وإن كان قد رد عليه بعض ما حوم عليه في هذا الكتاب من التصوف المغرق، انظر: قانون التأويل - الدراسة - (ص:١١٢-١١٣، ١١٧) .
(٤) قانون التأويل لابن العربي (ص:٥٠١-٥٠٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>