عالماً، أو لمجرد إرادته القديمة، فيقولون بتراخي الأثر عن المؤثر، وهذا قول أهل الكلام وهو قول فاسد، وإن كان أقل فساداً من الذي قبله.
- أما القول الثالث وهو الصواب وإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله وجب بمشيئته وقدرته، وما لم يشأه امتنع لعدم مشيئته له فهو موجب بمشيئته وقدرته، لا بذات خالية عن الصفات. فهذا لا يذكرونه (١) .
فتبين أن هذه الأصول العقلية التي قدموها على السمع هي أصول فاسدة وأن كونهم أرادوا بها إثبات حدوث العالم والرد على الدهرية الفلاسفة، جاء على نقيض مقصدوهمن حيث لم يستطيعوا الرد عليهم، وطعن بعضهم في أدلة بعض، ولو سلكوا الطريق الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وقال به أئمة أهل السنة والحديث، لوافقوا مدلول السمع أولاً، ولنقضوا أقوال الفلاسفة الدهرية ثانياً ولما وقعوا في الارتباك والتناقض، وتسلط أعداء الإسلام عليهم.
حادي عشر: أن العقل موافق للنقل:
في الوجه السابق بين شيخ الإسلام فساد الأصول التي اعتمدوا عليها في تقديم العقل على الشرع، وهنا يبين أن هؤلاء يزعمون أن الأدلة الشرعية لا تفيد اليقين، وأن ما ناقضها من الأدلة العقلية تفيد اليقين، فيجب تقديم هذه على تلك. فيرد عليهم ببيان أن الأدلة العقلية موافقة للأدلة النقلية لا معارضة لها، وطبق ذلك على مثال مشهور يذكرون عنده قانونهم الفاسد وهو إثبات العلو والفوقية لله تعالى.
والفرق بينهما أنه في الوجه السابق رد على من يزعم أن صدق الرسول موقوف على إثبات دليل حدوث الأجسام، وهنا يرد على من يقول: إن العقل يعارض ظواهر النصوص فيجب تقديمه من غير أن يقول: إن صدق الرسول مبني على هذا.