للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- منهج الرازي وأثره في تطور المذهب الأشعري.

أولاً: يمثل الرازي مرحلة خطيرة في مسيرة المذهب الأشعري، فهذا الإمام الشافعي الأشعري (١) ترك مؤلفات عديدة دافع فيها عن المذهب الأشعري بكل ما يملكه من حجج عقلية، كما أنه أفاض في بعضها في دراسة الفلسفة فوافق أصحابها حيناً وخالفهم حيناً آخر، بل وصل الأمر به إلى أن يؤلف في السحر والشرك ومخاطبة النجوم. وقد اختلفت آراء الناس فيه بين مادح وقادح، ومدافع عنه منافح، وناقد له جارح، وقد انتهى في آخر عمره إلى أن الحق في الرجوع إلى مذهب أهل الحديث وهو الاستدلال بالكتاب والسنة، ولكن بقيت المشكلة في مؤلفاته الكلامية والفلسفية التي انتشرت وتلقفها المهتمون بهذه الأمور، لذلك اختلفت أقوال الناس فيه وفي مؤلفاته:

فالسبكي - على عادته في أمثاله - كال له المدح كيلاً بلا حساب، حتى وصل الأمر إلى أن يقول فيه " وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد، وعتزال المعتزلي علماً أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " (٢) ، وفي معيد النعم لما هاجم الفلسفة وأعلامها كابن سينا والفاراي ونصير الدين الطوسي وهاجم الذين حاولوا مزج الفلسفة بكلام علماء الإسلام أورد على نفسه هذا الاعتراض قائلاً: " فإن قلت: فقد خاض حجة الإسلام الغزالي والإمام فخر الدين الرازي في علوم الفلسفة ودونوها، وخلطوها بكلام المتكلمين فهلا تنكر عليهما؟ " - ثم أجاب قائلاً -:" قلت: إن هذين إمامان جليلان، ولم يخض واحد منهما في هذه العلوم حتى صار قدوة في الدين، وضربت الأمثال باسمهما في معرفة على الكلام على طريقة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، فإياك أن تسمع شيئاً غير ذلك، فتضل ضلالاً مبيناً، فهذان إمامان عظيمان وكان حقاً عليهما نصر المؤمنين وإعزاز هذا الدين بدفع ترهات أولئك المبطلين، فمن وصل إلى مقامهما لا ملام عليه بالنظر في الكتب الفلسفية، بل هو مثاب مأجور " (٣) ، وليس هذا موضع مناقشة هذه الفكرة التي يطرحها


(١) انظر: سلسلة شيوخه في الفقه إلى الشافعي وفي العقيدة إلى الأشعري في وفيات الأعيان (٤/٢٥٢) .
(٢) طبقات السبكي (٨/٨٢) .
(٣) معيد النعم (ص: ٧٨-٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>