هذه الصفة من أظهر الصفات التي جاءت بها النصوص مستفيضة متواترة من الكاب والسنة، كما دلت عليها العقول والفطر السليمة، وقد أجمع على إثباتها سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وسطر أئمة السلف - في كتبهم وردودهم على الجهمية المعطلة - ما فيه بيان الحق من الضلال في هذا الباب. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وليس العجب في أن يوجد من ينكر هذه الصفة من الجهمية أو المعتزلة أو غيرهم ممن عرفوا بالزيغ والإلحاد في أسماء الله وصفاته وآياته، ولكن العجب أن يقلدهم في ذلك جماعات من العلماء الفضلاء، الذين يعتبرون من أئمة الفقهاء والعلماء والقضاة. ولو كانت أدلة العلو دليلين أو ثلاثة أو خمسة أو لو كان القائل به عددا محدودا من علماء السلف، لكان هؤلاء بعض العذر في موقفهم مما قد يقال فيه: إن الأمر التبس عليهم. أما أن تكون أدلة العلو بهذه الكثرة والوضوح والقعطية في الثبوت والدلالة، وأن تتوافق الأدلة النقلية - التي زادت على ألف دليل - مع أدلة العقل والفطرة، ثم بعد ذلك يأتي إجماع السلف على إثباتها، ويوافقهم على ذلك أئمة أهل الكلام المتقدمين من الكلابية والأشعرية وغيرهم - فهذا ما لا يجد له المسلم المنصف أي تفسير أو تبرير إلا أن باعثه التقليد والتعصب الأعمى لشيوخهم النفاة.
وقد أولى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة اهتماماً كبيراً، وأطال النفس جدا في بيان أدلته والرد على نفاتها ومناقشتهم، ولا يكاد يخلو كتاب من كتبه العقدية من عرض لها إثباتا أو ردا على الخصوم فيها. وقد وصل إلينا - والحمد لله - قسط كبير منها، بلغ مئات الصفحات، خاصة في كتابين من أهم كتبه، وهما:
١- درء تعارض العقل والنقل، حيث أفرد المسألة العلو الجزء السادس بأكمله وجزءا من الجزء السابع (١) .