للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: في القضاء والقدر]

[مقدمة]

موضوع "القضاء والقدر" من الموضوعات الكبرى التي خاض فيها جميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، على مر العصور والأزمان، وقد تكلم فيها الجميع، وشغلت أذهان الفلاسفة والمتكلمين وأتباع الطوائف من أهل الملل ومن غيرهم. والسبب في ذلك واضح وهو ارتباط القدر بحياة الناس وأحوالهم اليومية وما فيها من أحداث وتقلبات ليس لهم في كثير منها أي إرادة أو تأثير، ولو لم يكن هناك إلا مسألة الحياة والموت - واختلاف الناس في الأعمار - ومسألة الغنى والفقر، والصحة والمرض وتفاوت الناس فيها - لكان كافيا في أن يفكر الإنسان في هذه الأحداث هل هي مقدرة أم لا؟ خاصة وأن الإيمان بالله وأن هذا لكون لا بد له من خالق، أم فطري، لا يكاد ينكره أحد. والأقوال في القدر - بإجمال - لم تتغير قبل الإسلام أو بعده، فهي ترجع دائما إلى ثلاثة أقوال:

١- قول أهل الجبر، الذين يقولون إن الإنسان مجبورا على أفعاله وليس له إرادة ولا قدرة، ويمثل هذا في الفرق الإسلامية مذهب الجهمية ومن وافقهم، وهو ما يسمى في العصور المتأخرة بالمذهب الحتمي.

٢- ويقابلهم قول أهل حرية الإرادة، واستقلال الإنسان في أفعاله عن خالقه، وأن الإنسان له إرادة مستقلة عن إرادة الله، كما أنه هو الذي يخلق أفعاله، ويمثل هذا المذهب المعتزلة (القدرية) ، ومن وافقهم.

٣- وهناك قول وسط بين وهؤلاء، يثبتون القدر، وأن الله خالق كل شيء، ويقولون أيضاً إن للإنسان إرادة ومشيئة ولكنها خاضعة لمشيئة، كما أن له قدرة يفعل بها فعله، لكنه هو وأفعاله مخلوق لله تعالى. وهذا مذهب السلف وأتباع الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>