والثاني: القول الثاني لأبي الحسن الأشعري - الذي ذكره في الموجز - ووافقه عليه جمهور الأشاعرة، كالباقلاني، والجويني وغيرهما. وهو أن الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته. ويختلف تعبير الأشاعرة هنا فتارة يقولون هو المعرفة كقول جهم، وتارة يقولون هو التصديق (١) .
أما مذهبهم في مرتكب الكبيرة فهو موافق لقول أهل السنة.
ويلاحظ أن القول الثاني هو الذي اشتهر عند الأشاعرة، وهو الذي نصره أئمتهم ممن جاء بعد الأشعري، وهو الذي استقر عليه المذهب.
هذه خلاصة الأقوال في الإيمان، ومنها يتبين أن للأشاعرة فيه قولين، أحدهما موافقا لمذهب السلف، والثاني موافقا للجهم.
ثانياً: مقدمات في عرض أصل الخلاف في الإيمان:
لشيخ الإسلام تأصيلات وقواعد في باب الإيمان ذكر بعضها في كتاب الإيمان الكبير، وبناها على استقراء جيد لما ورد من النصوص في ألفاظ الإيمان وما شابهه، كما أن له تحقيقات دقيقة ذكر فيه أصول الخلاف وتفاوت الطوائف في مدى التزامها بلوازم أقوالها.
وليس القصد استيفاء هذه الأصول والقواعد، وإنما يمكن الإشارة إلى لمحات سريعة تتعلق بالخلاف في الإيمان فقط. ومن ذلك:
١- ما ذكره من أن الأصل الذي نشأ بسببه النزاع في الإيمان التزام بعضهم بمسألتين:
أحدهما: أن الإيمان كل لا يتجزأ إذا زال جزء منه زال باقيه.
والثانية: قولهم إنه لا يجتمع عند الإنسان طاعة ومعصية، وإيمان وكفر، وإسلام ونفاق، بل إذا وجد أحدهما انتفى الآخر.