للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما استقرت هذه القواعد عندهم، وخالفهم فيها أهل السنة - صارت الأقوال في الإيمان ثلاثة:

القول الأول: قول الخوارج والمعتزلة، وهؤلاء قالوا ثبت بالأدلة أن الأعمال من الإيمان، ومن ثم فمن تركها فقد ترك بعض الإيمان، والقاعدة أن الإيمان إذا زال بعضه زال باقيهن ولا يكون في العبد إيمان ونفاق. ومن ثم لم يقولوا بجواز تبعيض الإيمان، لا في الاسم ولا في الحكم. فرفعوا عن صاحب الكبيرة الإيمان بالكلية - وهذا في الاسم - وأوجبوا له الخلود في النار - وهذا في الحكم.

والقول الثاني: قول الجهمية والمرجئة، وهؤلاء قالوا: قد علما يقينا أن أهل الذنوب من أهل القبلة، لا يخلدون في النار، بل يخرجون منها كما توارت بذلك الأحاديث، كما أن الإجماع حاصل على أنهم ليسوا كفارا مرتدين.

قالا فلو أدخلنا الأعمال في مسمى الإيمان - والقاعدة أن الإيمان كل لا يتجزأ، إذا ذهب بعضه ذهب باقيه - لو وجب إذا فعل المؤمن ذنبا وزال بعض إيمان أن يزول كله فيخلد في النار، وهذا خلاف ما تواتر في النصوص. لذلك أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان لئلا يؤدي ترك بعضها إلى زوال الإيمان كلية والخلود في النار، وهذا مخالف للنصوص.

فهؤلاء المرجئة نازعوا في الاسم لا في الحكم. فقالوا في الحكم يجوز أن يكون صاحب الكبيرة مثابا معاقبا، محمودا مذموما - وبعضهم يقف في نفوذ الوعيد، فلا يجوز نفوذ الوعيد في حق أحد من أرباب الكبائر كما قال ذلك من قاله من مرجئة الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره - هذا في حكمه في الآخرة. أما في اسمه في الدنيا فمنعوا التبعض في الإيمان، وقالوا لا يجوز أن يكون معه بعض الإيمان دون بعض.

القول الثالث: قول أهل السنة، فقالوا بجواز التبعيض في الاسم والحكم، "فيكون مع الرجل بعض الإيمان لا كله، ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم

<<  <  ج: ص:  >  >>