للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه أحرص الناس على تعليم الخلق وبيان الحق لهم وأدلة ذلك كثيرة جداً (١) .

فهذه لوازم فاسدة وخطيرة تلزم على قول هؤلاء الذين جاءوا بهذا القانون الفاسد يقدمون فيه عقولهم على الكتاب والسنة.

ثامناً: أن حقيقة قول هؤلاء - الذين يعارضون النقل والعقل - " أن لا يحتج بالقرآن والحديث على شيء من المسائل العلمية، بل ولايستفاد التصديق بشيء من أخبار الله ورسوله، فإنه إذا جاز أن يكون فيما أخبر الله به ورسوله في الكتاب والسنة أخبار يعارضها صريح العقل، ويجب تقديمه عليها من غير بيان من الله ورسوله للحق الذي يطابق مدلول العقل، ولا لمعاني تلك الأخبار المناقضة لصريح العقل (٢) ، لزم أن لا يستفاد من نصوص الوحي شيء.

ومعلوم أن العقول مختلفة ومتفاوتة، وأهل الطوائف كلٌ يدعي أن معقوله يعارض النصوص أو طائفة منها، فإذا كانت الطوائف متباينة في أقوالها ومذاهبها، فقد عورضت النصوص بمعقولات متباينة مختلفة، والنتيجة أن نصوص الوحي أصبحت لا حرمة لهان بل ولا حجة فيهان بل من جوز على خبر الله وخبر رسوله أن يناقضه المعقول لم يمكنه أن يصدق بشيء من أخبار الوحي عن الأمور الغائبة، وهذا إبطال للوحي وللرسالات.

وأهل الإيمان يعلمون أن خبر الله ورسوله حق وصدق " موافق لما الأمر عليه في نفسه، لا يجوز أن يكون شيء من أخباره باطلاً ولا مخالفاً لما هو الأمر عليه في نفسه، ويعلمن من حيث الجملة أن كل ما عارض شيئاً من أخباره وناقضه فإنه باطل من جنس حجج السوفسطائية، وإن كان العالمن بذلك قد لا يعلم وجه بطلان تلك الحجج المعارضة لأخباره، وهذه حال المؤمنين للرسول، الذين علموا أنه رسول الله الصادق فيما يخبر به، يعلمون من حيث الجملة أن ما ناقض خبره فهو باطل، وأنه لا يجوز أن يعارض خبره دليل صحيح، لا عقلي ولا سمعي " (٣) . وقد شرح شيخ الإسلام هذا في موضع آخر (٤) ، وذكر أن حذاق المتكلمين التزموا القول بهذه النتيجة الباطلة، ومنهم الرازي الذي قال بعد


(١) درء التعارض (٥/٣٧١-٣٧٤) .
(٢) درء التعارض (٥/٢٤٢) .
(٣) انظر: المصدر السابق (٥/٢٥٥) .
(٤) انظر: المصدر نفسه (٥/٣٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>