للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل أصلوهم وجهلوهم، أو حيروهم وشككوهم وجعلوهم مذبذبين لا يعرفون الحق من الباطل، " فعند هؤلاء: كلام الأنبياء وخطابهم في أشرف المعارف وأعظم العلوم، يمرض ولا يشفى، ويضل ولا يهدي، ويضر ولا ينفع، ويفسد ولا يصلح، ولا يزكي النفوس ويعلمها الكتاب والحكمة، بل يدسي (١) النفوس ويوقعها في الضلال والشبهة، بل يكون كلام من يسفسط تارة ويبين أخرى، كما يوج في كلام كثير من أهل الكلام والفلسفة كابن الخطيب وابن سينا، وابن عربي، وأمثالهم، خيراً من كلام الله وكلام رسله، فلا يكون خير الكلام كلام الله، ولا أصدق الحديث حديثه.. " (٢) ، يقول شيخ الإسلام: " وإنما ذكرنا هذا لأن كثيراً من الجهمية النفاة يقولون: فائدة إنزال هذه النصوص المثبته للصفات، وأمثالها من الأمور الخبرية التي يسمونها هم المشكل والمتشابه، فائدتها عندهم: اجتهاد أهل العلم في صرفها عن مقتضاها بالأدلة المعارضة لها، حتى تنال النفوس كد الاجتهاد، وحتى تنهض إلى التفكير والاستدلال بالأدلة العقلية المعارضة لها، الموصلة إلى الحق، فحقيقة الأمر عندهم أن الرسل خاطبوا الخلق بما لا يبين الحق، ولا يدل على العلم، ولا يفهمن منه الهدى، بل يدل على الباطل، ويفهم منه الضلال " (٣) . ثم ضرب لذلك بمثال (٤) .

ج - أنه يلزم أيضاً على قولهم أن يكون الرسل تكلموا في غاية الجهل والضلال أو في غاية الإفك والبهتان والإضلال، وذلك لأن هؤلاء يزعمون أن الرسل لما تكلموا في الأمور الإلهية كان كلامهم غير دال على الحق في الأمور الإلهية ولا أفاد علماً فيها: " بل دلالته الظاهرة نقيض الحق والعلم والعرفان مفهمّة لضد التوحيد والتحقيق الذي يرجع إليه ذووا الإيقان " (٥) ، وهذا لازم قول هؤلاء. ومن المعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان من أعلم الخلق بربه وبأسمائه وصفاته وملائكته ومعاده.


(١) لعل التعبير جاء من قوله تعالى {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [سورة الشمس] ، وانظر تهذيب اللغة للأزهري ١٢/٢٨٠، وتفسير هذه الآية في الطبري وابن كثير وفتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان وغيرها، وانظر حاشية محقق درء التعارض في هذا الموضع، وخلاصة معنى الآية، قد خسر من أخفاها وأخملها ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح.
(٢) درء التعارض (٥/٣٦٤) .
(٣) درء التعارض (٥/٣٦٥) .
(٤) المصدر نفسه (٥/٣٦٦-٣٦٨) .
(٥) المصدر السابق (٥/٣٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>