للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امتنع أن يكون باطلاً، مع كون رسول الله حقاً، فمن قدح في ذلك وادعى أن الرسول لم يجيء به كان قوله معلوم الفساد بالضرورة من دين المسلمين " (١) ، يوضح ذلك أن أهل العلم الذين عنوا بعلم الرسول، العالمين بالقرآن وتفسيره وبسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والعالمين بأخباره وأخبار الصحابة " عندهم من العلوم الضرورية بمقاصد الرسول ومراده مالا يمكن دفعه عن قلوبهم، ولهذا كانوا متفقين على ذلك من غير تواطؤ ولا تشاعر، كما اتفق أهل الإسلام على نقل حروف القرآن، ونقل الصلوات الخمس، والقبلة، وصيام شهر رمضان، وإذا كانوا قد نقلوا مقاصده ومراده عنه بالتواتر، كان ذلك كنقلهم حروفه وألفاظه بالتواتر، ومعلوم أن النقل المتواتر يفيد العلم اليقيني، سواء كان التواتر لفظياً أو معنوياً، كتواتر شجاعة خالد وشعر حسان ... " (٢) .

ولا يقول عاقل: إن الصحابة والتابعين لم يكونوا عالمين بالكتاب والسنة ولا عارفين بمراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومقاصده، إلا أن يكون من أهل الإلحاد والزندقة، لأن من سير أحوال الصحابة والتابعين علم أنهم كانوا أفقه الناس وأعلم الناس، وهو الذين نقلوا إلينا الشرع فهم أعلم الناس بما ينقلونه معرفة وفهماً، وإذا كان الأمر كذلك فيمتنع أن يعارض هذا المعلوم المشهور المتواتر عنهم عقلي أو غيره.

ولاشك أهل الحديث والسنة، الذين يعنون بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواية ودراية، لديهم من الموازين والمعايير الدقيقة التي توصلهم إلى العلم اليقيني، مالا يوجد عند أصحاب هذا القانون من أهل الكلام، ولذلك ففي الوقت الذي يصرّ هؤلاء على الطعن بكتاب الله وسنة رسوله لقانون عقلي طرأ عليهم - وفي الغالب أنهم قلدوا فيه غيرهم - نجد أهل السنة لا يخطر ببالهم خاطر من ذلك لمعرفتهم وثقتهم المطلقة بما في الكتاب والسنة، بل يرون أن معارضتهما من صفات المنافقين وأهل البدع والكلام المذموم.


(١) انظر: درء التعارض (١/١٩٥) .
(٢) المصدر نفسه: الصفحة نفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>