للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين وتبين لهذا وأمثاله أن طريقة السلف إنما هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات، وفهم ما دلت عليه، وتدبره وعقله، وإبطال طريقة النفاة، وبيان مخالفتها لصريح المعقول وصحيح المنقول، علم أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم، وأهدى إلى الطريق الأقوم، وأنها تتضمن تصديق الرسول فيما أخبر به، وفهم ذلك ومعرفته، وأن ذلك هو الذي هو الذي يدل عليه صريح المعقول، ولا يناقض ذلك إلا ما هو باطل وكذب، وأن طريقة النفاة المنافية لما أخبر به الرسول طريقة باطلة شرعاً وعقلاً، وأن من جعل طريقة السلف عدم العلم بمعاني الآيات، وعدم إثبات ما تضمنته من الصفات فقد قال غير الحق، إما عمداً، وإما خطأ، كما أن من قال على الرسول أنه لم يبعث بإثبات الصفات، بل بعث بقول النفاة كان مفترياً عليه " (١) ، فشيخ الإسلام يبين أول سبب أدى إلى مثل هذه المقالة وهو جهل هؤلاء بحقيقة مذهب السلف، وأنهم لو عرفوه حق معرفته على الوجه الحق لعلموا أن مذهب السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى، ولكن لما جهلوا حقيقة مذهبهم ظنوا أن الخلف جاءوا بالحقائق العقلية المقنعة، وأن السلف كان مذهبهم مجرد التسليم.

ثم هناك مسألة أخرى هي أن الصحابة رضي الله عنهم ما عرف عنهم تلك المقدمات العقلية التي يوردها أهل الكلام في كتبهم، وقد حكى شيخ الإسلام عن الجويني أنه علل ذلك بأمور فيها نوع تجهيل للصحابة وإنقاص من منزلتهم في الإيمان والعلم، يقول شيخ الإسلام: " وقد رأيت أبا المعالي في ضمن كلامه يذكر ما ظاهره الاعتذار عن الصحابو، وباطنه جهل بحالهم مستلزم - إذا طرد - الزندقة والنفاق، فإنه أخذ يعتذر عن كون الصحابة لم يمهدوا أصول الدين، ولم يقرروا قواعده، فقال لأنهم كانوا مشغولين بالجهاد والقتال عن ذلك، هذا مما في كلامه " (٢) ،

وقد بين شيخ الإسلام الدافع لهؤلاء أن يقولوا مثل هذا الكلام، فيقول: " وهذا إنما قالوه لأن هذه الأصول والقواعد التي يزعمون


(١) درء التعارض (٥/٣٧٨-٣٧٩) .
(٢) لم أجد هذا الكلام فيما هو مطبوع من كتب الجويني، ولعله في كتاب الشامل الذي لم يطبع إلا جزء منه، أو في أحد كتبه الأخرى المخطوطة أو المفقودة، وقد سبق عند الحديث عن الجويني وعقيدته ومنهجه نقل نص قريب من هذا. انظر (ص:٦١٩) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>