أنها أصول الدين قد علموا أن الصحابة لم يقولوها، وهم يظنون أنها أصول صحيحة، وأن الدين لا يتم إلا بها، وللصحابة رضي الله عنهم أيضاً من العظمة في القلوب ما لم يمكنهم دفعه حتى يصيروا بمنزلة الرافضة القادحين في الصحابة، ولكن أخذوا من الرفض شعبة، كما أخذوا من التجهم شعبة، وذلك دون ما أخذته المعتزلة من الرفض والتجهم حين غلب على الرافضة التجهم وانتقلت عن التجسيم إلى التعطيل والتجهم، إذ كان هؤلاء نسجوا على منوال المعتزلة لكن كانوا أصلح منهم وأقرب إلى السنة وأهل الإثبات في أصول الكلام، ولهذا كان المغاربة الذين اتبعوا محمد بن التومرت المتبع لأبي المعالي أمثل وأقرب إلى الإسلام من المغاربة الذين اتبعوا القرامطة وغلوا في الرفض والتجهم، حتى انسلخوا من الإسلام، فظنوا أن هذه الأصول التي وضعوها هي أصول الدين، الذي لا يتم الدين إلا بها، وجعلوا الصحابة حين تركوا أصول الدين كانوا مشغولين عنه بالجهاد، وهم في ذلك بمنزلة كثير من جندهم ومقاتلتهم الذين قد وضعوا قواعد وسياسية للملك والقتال فيها الحق والباطل، ولم نجد تلك السيرة تشبه سيرة الصحابة، ولم يمكنهم القدح فيهم، فأخذوا يقولون: كانوا مشغولين بالعلم والعبادة عن هذه السيرة وأبهة الملك الذي وضعناه، وكل هذا قول من هو جاهل بسيرة الصحابة، وعلمهم، ودينهم، وقتالهم، [ومن (١) ]
كان لا يعرف حقيقة أحوالهم، فلينظر إلى آثارهم، فإن الأثر يدل على المؤثر، هل انتشر عن أحد المنتسبين إلى القبلة أو عن أحد من الأمم المتقدمين والمتأخرين من العلم والدين ما انتشر وظهر عنهم، أم هل فتحت أمة البلاد وقهرت العباد كما فعلته الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن كانت علومهم وأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم حقاً، باطناً وظاهراً، وكانوا أحق الناس بموافقة قولهم لقول الله، وفعلهم لأمر الله ... والأدلة الدالة على تفضيل القرن الأول ثم الثاني أكثر من أن تذكر، ومعلوم أن أم الفضائل العلم والدين والجهاد، فمن ادعى أنه حقق من العلم بأصول الدين أو من الجهاد ما لم يحققوه كان من أجهل الناس وأضلهم، وهو بمنزلة من يدعي من أهل الزهد