للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طويلاً (١) ، وبين أثناء ذلك أن حجج هؤلاء مدارها على أن المطلق المشترك الكلي موجود في الخارج، قال: "وهذا هو الموضع الذي ضلت فيه عقول هؤلاء، حيث اعتقدوا أن الأمور الموجودة المعينة اشتركت في الخارج في شيء، وامتاز كل منها عن الآخر بشيء، هذا عين الغلط" (٢) . وفي منهاج السنة قال مجيبا عن هذا الاشتباه والغلط الذي وقع فيه الرازي والآمدي وغيرهما: "وأما حل الشبهة فهو أنهم توهموا أنه إذا قيل: إنهما مشتركان في مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلا بد له من مميز.

وهذا غلط؛ فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي: يشتبهان في ذلك ويتفقان فيه، فهذا موجود، وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده البتة. وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقاً كلياً إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين ممتازة عن الأخرى (٣) ثم قال بعد مناقشة أهل المنطق: "فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم لغير الألفاظ، من جنس واحد، ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أنه ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا. وإذا قال: نوع موجود، أو الكلي الطبيعي موجود، أو الحقيقة موجودة، أو الإنسانية من حيث هي موجودة، ونحو هذه العبارات، فالمراد به أنه وجد في هذا نظير ما وجد في هذا أو شبهه أو مثله، ونحو ذلك.

والمتماثلات يجمعها نوع واحد، وذلك النوع هو الذي بعينه يعم هذا ويعم هذا، لا يكون عاما مطلقاً إلا في الذهن، وأنت إذا قلت: الإنسانية


(١) انظر مثلا: درء التعارض (٥/٨٩-١٧٥) ، وقد ذكر في منهاج السنة (٢/٥٩٥) - ط جامعة الإمام -، أنه أفراد موضوع "الكليات" بمؤلف مختص بها لعموم الحاجة ولإزالة الشبهة، وقد ذكرها ابن القيم في أسماء مؤلفات ابن تيمية (ص:٢٤) .
(٢) درء التعارض (٥/١١٢) .
(٣) منهاج السنة (٢/٥٨٨-٥٨٩) - ط جامعة الإمام -.

<<  <  ج: ص:  >  >>