وقد كتبت دراسات عن الحركات الباطنية، ولكن هذه الدراسات - حسب علمي- قامت على إحدى وجهتين:
١- إما وجهة تاريخية، تنظر إلى تاريخ هذه الطوائف، ودورها في الأحداث وما لها وما عليها، ولا تعطى الجانب العقائدي الذي قامت به إلا دورا صغيرا لا يتعدى التعريف والنشأة.
٢- وإما وجهة عقائدية بحتة، تنظر إلى عقائد هذه الطوائف وفكرها، وأهم مبادئها، وأما دورها في الأحداث وما قامت في المجال السياسى والاجتماعي فلا تتعرض له بشيء.
وفي رأيي- القاصر- أن مثل هذه الحركات الخطيرة لا تتم معرفة أبعادها والاستفادة من تاريخها السابق- وأبعاده العقائدية والسياسية- إلا بالجمع بين هاتين الوجهتين أثناء الدراسة والتحليل.
والحركات الباطنية- في العصر الحاضر-كما أن لها نشاطا سياسيا ملحوظا فلها أيضا نشاط فكري تنشر من خلاله مذاهبها وعقائدها وكتبها ووثائقها (١) .
والعصر- الذى نحن بصدد الحديث عنهـ كان للباطنية والرافضة فيه دور كبير، وهو وإن كان قد انحسر- بالنسبة للعصر الذي قبلهـ إلا أن بقاياهم قامت بأدوار تكميلية سواء بنشر مذاهبهم أو التعاون مع الصليبيين، ولذا رأينا كيف أن الظاهر بيبرس يهاجم حصونهم ويقضي عليها، والسلطان قلاوون وغيره يقومون بغزو الرافضة في جبل كسروان وما جاوره، ورأينا عالما مثل شيخ الاسلام ابن تيمية يتصدى لجهادهم وغزوهم، كما يتصدى لفضح المذهب الباطني ويبين حكم الشرع فيهم، ويرد على علمائهم في منهاج السنة وغيره.
(١) تأسست في الهند سنة ١٩٤٦ م " الجمعية الإسماعيلية" ونشرت في الهند ومصر كثيرا من مؤلفاتها ومخطوطاتها. انظر: كتاب الحاكم بأمر اللهـ عنان- (ص: ١٣-١٤) ، كا أن كثيرا من الباحثين تفرغوا لنشر التراث الاسماعيلي والباطني وكتابة الدراسات حولهـ حتى أن واحدا منهم نشر قرابة أربعين كتابا حول هذه الحركات، وبعض الباحثين من هؤلاء لا يكتفون بالتحقيق أو الكتابة العلمية فقط، وإنما يبثون الدعاية لها ويدعون إلى الاستفادة من تجاربها، كما يزعمون أنها حركات مظلومة ولذا ينبغى إعادة كتابة تاريخها من خلال حرية الفكر والأديان التى ينادون بها.