ب "الوجه الثاني: أن يقال: التفاسير الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان تبين أنهم إنما كانوا يفهمون منها الإثبات، بل والنقول المتواترة المستفيضة عن الصحابة والتابعين حرف واحد يوافق قول النفاة، ومن تدبر الكتب المصنفة في آثار الصحابة والتابعين بل المصنفة في السنة، من: كتاب السنة والرد على الجهمية، للأثرم، ولعبد الله ابن أحمد، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسماعيل البخاري ... [وذكر شيخ الإسلام عددا كبيراً من أئمة السنة وكتبهم] .. رأى في ذلك من الآثار الثابتة المتواترة عن الصحابة والتابعين ما يعلم معه بالاضطرار أن الصحابة والتابعين كانوا يقولون بما يوافق مقتضى هذه النصوص ومدلولها، وأنهم كانوا على قول أهل الإثبات المثبتين لعلو الله نفسه على خلقه، المثبتين لرؤيته، القائلين بأن القرآن كلامه ليس بمخلوق بائن عنه.
وهذا يصير دليلا من وجهين:
أحدهما: من جهة إجماع السلف، فإنه يمتنع أن يجمعوا في الفروع على خطأن فكيف في الأصول.
الثاني: من جهة أنهم كانوا يقولون بما يوافق مدول النصوص ومفهومها، لا يفهمون منها ما يناقض ذلك.. (١) .
ومما سبق يتبين أن السلف فهموا من نصوص العلو والاستواء الأثبات، وهذا يبطل قول القائلين بأنهم كانوا مفوضة.
٤- أما احتجاجهم بآية آل عمران والوقف على قوله:{إِلَّا اللَّه} - فمعلوم أ، هؤلاء المتكلمين رجحوا القراءة الأخرى بالوصل ليجيزوا لأنفسهم التأويل باصطلاحهم المتأخر، ومعلوم أن من وقف على لفظ الجلالة فإنهم قصدوا التأويل الذي هو الحقيقة والمآل، ومعلوم أن كيفية أسماء الله وصفاته هي من ذاته لا يعلمها إلا الله، وهو من باب تفويض الكيفية التي هي جزء من مذهب السلف