وشاع النزاع في ذلك بين عامة المنتسبين إلى السنة من أصحاب أحمد وغيرهم. وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب "الشافي" عن أصحاب أحمد في معنى أن القرآن غير مخلوق قولين، مبنيين على هذا الأصل:
أحدهما: أنه قديم، لا يتعلق بمشيئته وقدرته.
والثاني: أنه لم يزل متكلما إذا شاء.
وكذلك ذكر أبو عبد الله بن حامد قولين.
وممن كان يوافق على نفي ما يقوم به من الأمور المتعلقة بمشيئته وقدرته - كقول ابن كلاب - أبو الحسن التميمي وأتباعه، والقاضي أبو يعلي وأتباعه، كابن عقيل، وأبي والحسن بن الزاغوني وأمثالهم، وإن كان في كلام القاضي ما يوافق هذا تارة، وهذا تارة.
وممن كان يخالفهم في ذلك أبو عبد الله بن حامد، وأبو بكر عبد العزيز وأبو عبد الله بن بطه، وأبو عبد الله بن منده، وأبو نصر السجزي، ويحيى ابن عمار السجستاني، وأبو إسماعيل الأنصاري وأمثالهم.
والنزاع في هذا الأصل بين أصحاب مالك، وبين أصحاب الشافعي، وبين أصحاب أبي حنيفة، وبين أهل الظاهر أيضاً: فداود بن علي صاحب المذهب وأئمتهم على إثبات ذلك، وأبو محمد بن حزم على المبالغة في إنكار ذلك.
وكذلك أهل الكلام: فالهشامية والكرامية على إثبات ذلك، والمعتزلة على نفي ذلك ...
وكذلك المتفلسفة: فحكوا عن أساطينهم - الذين كانوا قبل أرسطو - أنهم كانوا يثبتون ذلك، وهو قول أبي البركات صاحب "المعتبر"، وغيره من متأخريهم، وأما أرسطو وأتباعه - كالفارابي وابن سينا - فينفون ذلك، وقد ذكر أبو عبد الله الرازي عن بعضهم أن إثبات ذلك يلزم جميع الطوائف وإن أنكروه، وقرر ذلك.