فالذين يقولون بنفي الصفات الاختيارية ومنع حلول الحوادث أجابوا عن ذلك بأن قالوا إن الخلق هو المخلوق، والفعل هو المفعول، ومعنى ذلك أن صفة الخلق أو الفعل لا تقوم بالله تعالى ويفسرون أفعاله المتعدية مثل قوله:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}(الأنعام: من الآية١) وأمثاله أ، ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاتهن بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة نسبة وهي أمر عدمي لا وجودي، كما يقولون في كلامه واستوائه. وهذا قول الأشاعرة (١) .
أما جمهور أهل السنة فيفرقون بينهما ويقولون: الخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول، فيثبتون صفة الخلق والفعل قائمة بالله، ويقولون بوجود المخلوق والمفعول المنفصل عن الله تعالى، ويقولون بإثبات الصفات الاختيارية التي تقوم بالله وتتعلق بمشيئته.
وهذا مع أن النصوص المتواترة من الكتاب والسنة قد دلت عليه فقد دل عليه صريح المعقول، "فإنه قد ثبت بالأدلة السمعية والعقلية أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق، محدث، كائن بعد أن لم يكن، وأن الله انفرد بالقدم والأزلية، وقد قال تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}(الفرقان: الآية٥٩، والسجدة: الآية٤) ، فهو حين خلق السموات ابتداء: إما أن يحصل منه فعل يكون خلقا للسموات والأرض، وأما أن لا يحصل منه فعل، بل وجدت المخلوقات بلا فعل، ومعلوم أنه إذا كان الخالق قبل خلقها، ومع خلقها سواء، وبعده سواء لم يجز تخصي خلقها بوقت دون بلا سبب يوجب التخصيص.
وأيضاً: قحدوث المخلوق بلا سبب حادث ممتنع في بادية العقول، وإذا قيل الإرادة والقدرة خصصت قيل: نسبة الإرادة القديمة إلى جميع الأوقات سواء،
(١) انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (٥/٣٧٨-٣٧٩، ٥٢٨-٥٢٩) .