للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنه أجاب عن ذلك بأن الرازي والأشاعرة إذا كانوا قد أجابوا عن مسألة الأمر والنهي بأن الله قد يأمر بما لا يريد - ومعهم في هذا حق بالنسبة للإرادة الكونية - إلا أنهم لم يمكنهم أن يقولوا: إن الله أخبر بما لا يعلمه، أو بما يعلم ضده، بل علمه من لوازم خبره ولهذا أخبر الله تعالى عن رسوله بأن القرآن لما جاءه، جاء العلم فقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (آل عمران: من الآية٦١) وقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (البقرة: من الآية١٢٠) ، وهذا مما احتج به الأئمة على تكفير من قال بخلق القرآن، لأن الله أخبر أن هذا الذي جاءه من العلم، وقول المتعزلة يستلزم أن يكون علم الله مخلوقا (١) .

أما دعوى أن الإنسان قد يحكم أو يخبر بخلاف علمه - وهي حجة الرازي التي سبقت - فإن شيخ الإسلام رد عليها من وجوه:

أحدها: أن الأشاعرة أنفسهم قد أقروا بفسادها؛ وذلك "أنهم يحتجون على وجوب الصدق لله بأن الكلام النفساني يمتنع فيه الكذب لوجوب العلم لله، وامتناع الجهل، وهذا الدليل قد ذكره جميع أئمتهم حتى الرازي ذكره - لكن قال: إنما يدل على صدق الكلام النفساني لا على صدق الحروف الدالة عليه - وإذا جاز أن يتصف الحي بحكم نفساني لا يعلمه ولا يعتقده ولا يظنه، بل يعلم خلافه، امتنع حينئذ أن يقال: الحكم النفساني مستلزم للعلم، أو أنه يمتنع أن يكون بخلاف العلم فيكون كذبا. وهذا الذي قالوه تناقض في عين الشيء، ليس تاقضا من جهة اللزوم ... " (٢) ، ووجه التناقض واضح فإنهم لما أرادوا أن يقولوا أن الخبر قد يغاير العلم استدلوا بأن الإنسان قد يحكم ويخبر بخلاف علمه مما هو كذب، فيكون خبره مخالفا لعلمه، ثم قالوا في الاستدلال على أن الله صادق أن الكلام النفساني يمتنع فيه الكذب لوجوب اعلم لله وامتناع الجهل، وعليه فيمتنع أن يكون في خبر الله ما يخالف علمه، وهذا يناقض القول السابق


(١) انظر: التسعينية (ص:١٥٤) .
(٢) التسعينية (ص:١٥٥) ، وانظر: الفرقان بين الحق والباطل - مجموع الفتاوى (١٣/١٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>