للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغلاة الصوفية إلى أن اعتقدوا "أنه ليس في مشهدهم لله محبوب مرضى مراد إلا ما يقع، فما وقع فالله يحبه ويرضاه، وما لم يقع فالله لا يحبه ولا يرضاه، والواقع هو تبع القدر لمشيئة الله وقدرته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهم من غلب كانوا معه، لأن من غلب كان القدر معه، والمقدور عندهم هو محبوب الحق، فإذا غلب الكفار كانوا معهم، وإذا غلب المسلمون كانوا معهم" (١) ، وعلى هذا فإبليس وجميع الكفار والملاحدة والعصاة مطيعون لله، لموافقتهم للقدر، ولعل هذا سر ما يؤثر عن غلاة الصوفية من انحرافات أخلاقية سافة، ومن أقوال كفرية لم تؤثر حتى عن الكافرين والملاحدة.

والخلاف في هل الإاردة تستلزم الرضى والمحبة وقع على قولن:

القول الأول: أن الإاردة تستلزم الرضى، وهذا قول المعتزلة والجهمية وأغلب الأشاعرة (٢) .

وبعض الأشاعرة لهمع بارات تخفف من هذه المقالة، مثل قول بعضهم يحمل المحبة والرضا على الإرادة، ولكنه يقول: إذا تعلقت الإاردة بنعيم ينال عبدا فإنها تسمى محبة ورضى، وإذا تعلقت بنقمة تنال عبدا فإنها تسمى سخطا" (٣) ، فمن جوز إطلاق المحبة على الإاردة قالوا: إن الله يحب الكفر ويرضاه كفرا معاقبا عليه (٤) .

ولكن هؤلاء الذين اتفقوا على أن الإرادة بمعنى الحبة والرضى - اختلفوا فيما بينهم على قولين جعلت أقوالهم تتباين كثيرا في مسألة القدر:

?- فالمعتزلة القدرية قالوا: قد علم بالدليل أن الله يحب الإيمان والعمل الصالح، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، ولما كان هذا ثابتا لزم أن تكون المعاصي ليست مقدرة له ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه، قالوا: ولما كنا مأمورين بالرضى بالقضاء، ومأمورين بسخط هذه الأفعال وبغضها وكراهتها، فإذن يجب أن لا تكون واقعة بقضاء الله وقدره فأنكروا لذلك مرتبة المشيئة والخلق (٥) .

?- وأما الأشاعرة - ومن معهم - فقالوا قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولما ثبت عندهم أن المشيئة والإرادة والمحبة والرضى كلها بمعنى واحد


(١) رسالة الاحتجاج بالقدر (ص:٨٠-٨١) - المكتب الإسلامي.
(٢) انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل (ج-٦ - قسم ٢- ص: ٥١-٦) ، والحر - المطبوعة باسم باسم الانصاف - للباقلاني (ص:٤٤-٤٥) ، ولباب العقول للمكلاتي (ص:٢٨٨) .
(٣) الإرشاد للجويني (ص:٢٣٩) وشرح المواقف (ص:٢٨٨) - جزء مستقل محقق.
(٤) انظر: لباب العقول (ص:٢٨٨) .
(٥) انظر: الاحتجاج بالقدر (ص:٦٦-٦٧) - ط المكتب الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>