للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن من أيها عطف العمل على الإيمان؟ يقول شيخ الإسلام بعد كلام طويل بين فيه أن لفظ "الإيمان" إذا أطلق في القرآن يراد به ما يراد بلفظ "البر" و"التقوى"، و"الدين"، وشعب الإيمان هي شعب البر والتقوى والدين (١) - يقول:

"أما قولهم: إن الله فرق بين الإيمان والعمل في مواضع، فهذا صحيح، وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله في الأعمال المأمور بها، وقد يقرن به الأعمال ... وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود القلب الواجب، مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم، وإن كان أصله ما في القلب، وحيث عطفت عليه الأعمال فإنه أريد أنه لا يكتفي بإيمان القلب بل لا بد معه من الأعمال الصالحة" (٢) .

وهذا تنبيه لطيف جدا إلى منزلة الأعمال الصالحة مع إيمان القلب، وأن في ذكرها معه إشارة إلى أنه لا يكتفي بإيمان القلب. ولعل ذلك راجع إلى أن الأعمال من دلائل الإيمان الظاهرة، وأنها لازمة له، فكلما وجد الإيمان فلا بد أن يوجد العمل معه.

ثم بين أن للناس في هذا العطف قولين:

أحدهما: أنه من باب عطف الخاص على العام، وأن إفراده بالذكر لأهميته وتخصيصا له لئلا يظن أنه لا يدخل في الأول. وأمثلة هذا النوع كثيرة. فذكر الإيمان أولا لبيانه أنه الأصل الذي لا بد منه، ثم ذكر العمل لبيان أنه من تمام الدين، ولئلا يظن الظان أن الإيمان يكفي بدون العمل الصالح (٣) .


(١) انظر: الإيمان (ص:١٧٠) وما بعدها.
(٢) المصدر السابق (ص:١٨٦-١٨٧) .
(٣) انظر: المصدر نفسه (١٨٧-١٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>