للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الأمر الأول: وهو قولهم بالرؤية بلا جهة، فقد ناقشه شيخ الإسلام طويلا، وفي مناسبات متعددة، ويمكن تلخيص ردوده عليهم كما يلي:

١- أن النصوص الواردة في الرؤية - وهي كثيرة، وقد أفردها بعض علماء السنة بمؤلفات - دالة على أن رؤية المؤمنين لربهم إنما تكون في جهة، وإذا كانت نصوص الرؤية متواترة، فكذلك دلالتها على أنها في جهة، وتشبيه الرؤية برؤية الشمس ليس دونها سحاب، أو رؤية القمر ليلة البدر صحوا، أو أن الله يكشف الحجاب من فوقهم. وقد أورد شيخ الإسلام أربعة وجوه قاطعة تدل - من خلال حديث واحد فقط من أحاديث الرؤية - على أن الرؤية إنما تكون في جهة (١) .

٢- أن كون الله يرى بجهة من الرائي ثبت بإجماع السلف والأئمة، ونصوصهم في ذلك متواترة (٢) .

٣- أن أئمة هؤلاء المتأخرين كالأشعري وغيره، هم ممن يثبت الرؤية والاحتجاب والعلو وأن الله فوق العرش - وقد سبق بيان ذلك - (٣) .

٤- أن الأشاعرة - مع كونهم أقرب إلى الحق من المعتزلة، لأنهم أقروا بالرؤية، وإن كانوا قد نفوا العلو - بخلاف المعتزلة الذين نفوا الأمرين - إلا أنهم متناقضون، لأن إثباتهم للرؤية يقتضي إثباتهم للعلو، كما أن نفيهم للعلو يقتضي نفيهم للرؤية أيضاً. فيلزمهم أحد أمرين: إما نفي الرؤية أو اللحاق بأهل السنة في إثباتهما. وأحد الأمرين لازم لهم.

٥- أن بعض محققي الأشاعرة كالرازي - والغزالي في بعض أقواله - رأوا أن الإلزام السابق لازم لهم، ومن ثم حرصوا بأن المقصود بالرؤية - التي أثبتوها - زيادة انكشاف بخلق مزيد من الإدراك لهم، أي أنهم فسروها بنوع


(١) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (٢/٤٠٩-٤١١) ، وانظر أدلة أخرى (ص: ٤١١ إلى ص:٤١٥) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٢/٤١٥-٤٢١) ، ومجموع الفتاوى (١٦/٨٢-٨٩) .
(٣) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (٢/٤٢٠-٤٢٣) ، ومنهاج السنة (٢/٢٥٠-٢٥٢) ط دار العروبة المحققة، درء التعارض (١/٢٥٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>