وإنما بقى صامدا مع كثرة المحن والأحداث التي مرت به. وهذا واضح جداً في كتبه التي وصلت إلينا، فهي على كثرتها، وتكرار بعض موضوعاتها لم يلاحظ عليه تناقض أو تراجع أو تردد، وهذا راجع إلى سلامة المنطلق والأساس الذي كان يعتمد عليه في كتبه.
٥- أما مذهب الأشاعرة فقد تبين من خلال الفصول المتعلقة به، كيف كانت نشأة المذهب وكيف انتشر وكيف تطور على يد أعلام لا إلى القرب من مذهب السلف وإنما إلى البعد عنهم، وخاصة قربه من مذهب المعتزلة، والصوفية والفلاسفة.
أما مؤسس المذهب أبو الحسن الأشعري فقد كان أقرب إلى مذهب السلف ممن جاء بعده من أتباعه، وهو وإن كان في الإبانة قرب جدا من السلف إلا أنه بقيت عليه بقايا من مذهب المعتزلة.
٦- أما موقف ابن تيمية من الأشاعرة فقد تبين مما سبق:
أ- أن شيخ الإسلام وهو يواجه أعداء الإسلام من النصارى والتتار والرافضة، إلا أنه لم يقل - كما يدعي البعض - ينبغي أن نتفرغ للعدو الأكبر وندع الخلافات التي بيننا، وإنما رد على هؤلاء وجاهدهم بيده ولسانه وقلمه، كما رد على أشاعرة عصره وفضح ما كانوا فيه من تجهم وتصوف. وبين أن أولئك الأعداء ما تسلطوا على المسلمين إلا لأجل تفريطهم وبعدهم عن مذهب أهل السنة، ووقوعهم في المعاصي والكبائر، والظلم وعدم العدل.
وحين تبدأ ساعة الجد والجهاد يركز على العدو الأصلي ويعمل على جمع الصفوف، ولم الشعث، وحث الناس على البذل والتضحية في سبيل الله.
ب- ومن خلال ردوده ومناقشاته للاشاعرة برز في منهجه أمران:
أحدهما: إنصاف خصومه الأشاعرة، واعترافه بما معهم من حق.
وثانيهما: الرد عليهما فيما خالفوا فيه مذهب أهل السنة بتقعيد الردود وتأصيلها، إضافة إلى المناقشات المفصلة لكل مسألة من مسائل العقيدة التي جانبوا فيها الحق والصواب.