للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد جئنا في الهواء ورفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين، وهذا من أكبر الأسباب التى بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان " (١) ، وقد ذكر واقعة غريبة له وهو في السجن بمصر، قال: " كما جرى مثل هذا لي، كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير (٢) من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين (٣) وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولا، وكنت في الحبس فاستعظموا ذلك وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيا يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاءوا إلى دمشق، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ماتيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذلك أني أنا الذي فعلت ذلك.

قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكا؟، قلت: لا، إن الملك لا يكذب وهذا قد قال: أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك (٤) .

والتصوف لم يقتصر على هذه الأمور، وإنما كان تصوفا يؤول في الغالب إلى الغلو من الوحدة والاتحاد والحلول، والوقوع في الشركيات بأنواعها، وتعظيم الملاحدة وتصحيح أقوالهم وكفرياتهم. وقد واجه ابن تيمية من هؤلاء أعدادا


(١) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: ٥٤ ا-١٥٥) ، ط المكتب الاسلامي.
(٢) هكذا في طبعة الفرقان الموجودة في مجموع الفتاوى (١٣/٩٢) ، وطبعة دار البيان المفردة، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط (ص: ٦١) ، وفي طبعة دار إحياء العلوم، تحقيق: حسين يوسف غزال (ص: ١١٧) كتب الكلمة: "كبير " بدل كثير، وهو لم يعتمد على نسخة خطية، لكن لعله هو الصواب.
(٣) ماردين، بكسر الراء والدال، قلعة مشهورة بعمل الموصل في الجزيرة قريية من دارا، وهي من أحسن القلاع وأعظمها. فتوح البلدان (٥/٣٩) ، والروض المعطار (٥١٨) ، وملك ماردين المشار إليه هو الملك المنصور نجم الدين غازى الأرتقى تولى ماردين (٦٩٣ هـ - ٧١٢ هـ) ، انظر: تاريخ الدولة الإسلامية ومعجم الأسر الحاكمة (٢/٣٥٣) ، وانظر: الأمارات الأرتقية: عماد الدين خليل (ص: ٣٥٢) .
(٤) الفرقان بين الحق والباطل- مجموع الفتاوى (١٣/ ٩٢-٩٣) ، وان! جامع الرسائل (١/١٩٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>