للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- ثم نجدهـ بعد جهاده لهؤلاء والانتصار عليهم- يحلل تلك المعارك ويبين الدروس المستفادة منها، ويقف فيها وقفات يبين وجه الشبه بين ما جرى مع التتار وغزوات النبى - صلى الله عليه وسلم -، يقول في بداية كلامه: " إن هذه الفتنة التي ابتلى بها المسلمون من هذا العدو المفسد الخارج عن شريعة الاسلام، قد جرى فيها شبيه ما جرى للمسلمين مع عدوهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المغازي التى أنزل الله فيها كتابه، وابتلى بها نبيه والمؤمنين، ما هو أسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا إلى يوم القيامة، فإن نصوص الكتاب والسنة اللذين هما دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - يتناولان عموم الخلق بالعموم اللفظى والمعنوي، أو بالعموم المعنوي. وعهود الله في كتابه وسنة رسوله تنال آخر هذه الأمة كا نالت أولها وإنما قص الله علينا قصص من قبلنا من الأم لتكون عبرة لنا، فنشبه حالنا بحالهم، ونقيس أواخر الأمم بأوائلها ... " (١) ، ثم يذكر هذه الفتنة التي وقعت فيقول: " ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيران، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران، وتركت الرجل اللبيب لكثرة الوسواس ليس بالنائم ولا اليقظان وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان " (٢) .

ثم بين أقسام الناس في هذه الحادثة ووجه الاعتبار منها، ثم أخذ يقارن بين أحداث السيرة وبين ما وقع في هذه الفتنة مع التتار؛ فيعرض لحال الأعداء ولحال المؤمنين، ثم يتكلم عن المنافقين وأفعالهم وصفاتهم، مع مقارنة دقيقة بأحوالهم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيذكر تحزب الأحزاب من كل جانب على المدينة ثم يقول: " وهكذا هذا العام: جاء العدو من ناحيتي علو الشام، وهو شمال الفرات، وهو قبلي الفرات، فزاغت الأبصار زيغا عظيما، وبلغت القلوب الحناجر، لعظم البلاء، لا سيما لما استفاض الخبر بانصراف العسكر إلى مصر، وتقرب العدو وتوجهه إلى دمشق، وظن الناس بالله الظنونا:

هذا يظن أنه لا يقف قدامهم أحد من جند الشام، حتى يصطلموا أهل الشام.


(١) العقود الدرية (ص: ١٢١) .
(٢) المصدر السابق (ص: ١٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>