للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضلالات والكفر والجهالات، خصوصا أخبث الملاحدة والاتحادية ثم الجهمية. واتفق أنه وجد بها إبليس إلحادهم قد باض وفرخ، ونصب بها عرشه ودوح، وأضل بها فريقى السبعينية والعربية (١) ، فمزق الله بها بقدومه المغر جوعهم شذر مذر، وهتك أستارهم وكشف رمز إلحادهم وأسرارهم وفضحهم، واستتاب جاعات منهم وتؤب رئيسا من رؤسائهم، وصنف هذا التائب كتابا في كشف كفرهم وإلحادهم " (٢) .

وبقي الشيخ في الاسكندرية ثمانية أشهر، فلما رجع السلطان الناصر إلى الحكم وقدم إلى مصر يوم عيد الفطر سنة ٧٠٩ هـ لم يكن له دأب إلا طلب الشيخ ابن تيمية من الإسكندرية، فوجه إليه في ثاني يوم من شوال فقدم الشيخ في ثامن هذا الشهر- وفي الإسكندرية خرج خلق يودعونهـ فاجتمع السلطان يوم الجمعة في مجلس فيه القضاة والفقهاء، وقد زالت دولة الجاشنكير وأتباعه، وعرض الناصر على ابن تيمية أن ينتقم له من أعدائه ولكنه رفض ذلك، وهنا يسجل للشيخ موقف عظيم ومعرفة بواقع الأمر، فالناصر لما عرض عليه أن يفتيه في قتل بعض الفقهاء والقضاة كان يريد أن ينتقم منهم بسبب موقفهم منه لما تسلطن الجاشنكير، ففطن ابن تيمية لمراده وأخذ يعظم القضاة والعلماء وينكر أن ينال أحدا منهم سوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح (٣) ، وإنه لموقف عظيم ينبغي أن يتفكر فيه العلماء مرارا، إذ كثيرا ما تأتي بعض القضايا مما لها وجه في الشرع ولكن الحكام يحرصون عليها لا لأجل ذاتها واتباعا للشرع فيها، وإنما لأنها تخدم أغراضا أخرى لهم، والدليل على ذلك أنهم لا يرجعون إلى الشرع دائما وإنما عند الحاجة.


(١) نسبة إلى ابن سبعين وابن عربي.
(٢) العقود (ص: ٢٧٣- ٢٧٥) .
(٣) انظر: البداية والنهاية (١٤/٥٣-٥٤) ، والعقود (ص: ٢٧٨-٢٨٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>