للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك نرى بعض العلماء يعيش في حيرة دهرا يقلب في كتب أهل الكلام، فلا يهتدي إلى الصواب فيها، فلما اطلع على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية تبين له الحق الذي كان يبحث عنه يقول أحدهم: " وكنت قبل وقوفي على مباحث إمام الدنيا-رحمه الله- قد طالعت مصنفات المتقدمين، ووقفت على مقالات المتأخرين من أهل الفلسفة ونظار أهل الإسلام، فرأيت نها الزخارف والأباطيل والشكوكات التي يأنف المسلم الضعيف في الإسلام أن يخطرها بباله فضلا عن القوى في الدين مكان يتعب قلبي ويحزننى ما يصير إليه الأعاظم من المقالات السخيفة والآراء الضعيفة التي لا يعتقد جوازها آحاد العامة، وكنت أفتش على السنة المحضة في مصنفات المتكلمين من أصحاب الإمام أحمد-رحمه الله- على الخصوص، لاشتهارهم بالتمسك بمنصوصات إمامهم في أصول العقائد، فلا أجد عندهم ما يكفى، وكنت أراهم يتناقضون إذ يؤصلون أصولا يلزم فيها ضد ما يعتقدونه، ويعتقدون خلاف مقتضى أدلتهم، ... وكنت ألتجي " إلى الله سبحانه وتعالى وأتضرع إليه، وأهرب إلى ظواهر النصوص وألقى المعقولات المتباينة والتأويلات المصنوعة لنبو الفطرة عن قبولها، ثم قد تشبثت فطرتي بالحق الصريح في أمهات المسائل، غير متجاسرة على التصريح بالمجاهرة قولا وتصميما للعقد عليه، حيث لا أراه مأثورا عن الأئمة وقدماء السلف، إلى أن قدر الله تعالى وقوع مصنفى الشيخ إمام الدنيا-رحمه الله- في يدي قبيل واقعته الأخيرة بقليل، فوجدت ما بهرني، من موافقة فطرتي لما فيه، وعزو الحق إلى أئمة السنة وسلف الأمة، مع مطابقة المعقول والمنقول، فبهت لذلك، سرورا بالحق وفرحا بوجود الضالة التي ليس لفقدها عوض، فصارت محبة هذا الرجل-رحمه الله- محبة ضرورية، يقصر عن شرح أقلها العبارة ولو أطنبت، ولما عزمت على المهاجرة إلى لقيه، وصلني خبر اعتقاله، وأصابني لذلك المقيم المقعد ... " (١) وصمم على السفر إليه سنة ٧٢٨ هـ ولكن جاءه بخبر وفاته فحزن عليه حزنا عميقا (٢) .


(١) العقود الدرية (ص: ٥٠٣- ٥٠٥) ..وهذا الرجل اسمه عبد الله بن حامد من بغداد، وانظر: الأعلام العلية (ص: ٣٢) ، والرد الوافر (ص: ١٩٦،٢١٦) ، ففيهما شيء مشابه. وقد رجع بعض الصوفية، انظر: السبعينية (ص: ١٣٥) ، والاستغاثة (٢/٢٧٦) .
(٢) انظر: العقود (ص: ٥٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>