ولما كان الشيخ قد ضيق عليه - خاصة بعد إخراج كتبه وأوراقه - فقد كانت وفاته مفاجئة للناس جميعا، فقد أصيبوا بصدمة وما كادوا يعلمون صباح الاثنين حتى خرجوا جميعا في جنازته، واشتد زحامهم عليها، وقد اعتبرها المؤرخون من الجنائز النادرة فيشبهونها بجنازة الإمام أثط عبد اللة أحمد بن حنبل-رحمه الله- في بغداد، وابن تيمية مات في دمشق وهى أصغر من بغداد وليست عاصمة للخلافة، كا أن ابن تيمية مات مسجونا مسخوطا عليه من جهة السلطان وكثير من الفقهاء والصوفية الفقراء يذكرون عنه للناس- مما يسىء- أشياء كثيرة، ومع ذلك كانت جنازته مشهودة ومشهورة.
يقول البزار:" ثم إن الشيخ- رحمه اللة- بقي إلى ليلة الاثنين العشرين من ذى القعدة الحرام وتوفي إلى رحمه الله تعالى ورضوانه في بكرة ذلك اليوم وذلك من سنة ثمان وعشرين وسبع مئة وهو على حاله، مجاهدا في ذات الله تعالى، صابرا، محتسبا لم يجبن ولم يهلع، ولم يضعف، ولم يتتعتع، بل كان رضى الله عنه إلى حين وفاته مشتغلا بالله عن جميع ما سواه، قالوا: فما هو إلا أن سمع الناس بموته، فلم يبق في دمشق من يستطع المجيء للصلاة عليه وأراده إلا حضر لذلك وتفرغ له، حتى غلقت الأسواق بدمشق، وعطلت معايشها حينئذ وحصل للناس بمصابه أمر شغلهم عن غالب أمورهم وأسبابهم، وخرج الأمراء والرؤساء والعلماء والفقهاء، والأتراك، والأجناد، والرجال والنساء والصبيان من الخواص والعوام، قالوا: لم يتخلف أحد من غالب الناس فيما أعلم إلا ثلاثة أنفس، كانوا قد اشتهروا بمعاداته، فاختفوا من الناس خوفا على أنفسهم، بحيث غلب على ظنهم أنهم متى خرجوا رجمهم الناس فأهلكوهم "(١) .
ويذكر ابن كثير أن نائب السلطنة كان غائبا فحارت الدولة ماذا يصنعون، وجاء الصاحب شمس الدين غبريال- نائب القلعة- فعزاه فيه، وجلس عنده،