للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن لم يقصد إفهام مخاطب، ولكن حاله دل المستدل على ما علمه، كالأصوات التى تدل بالطبع مثل البكاء والضحك ونحوهما، فإنها تدل على ما يعلمه المرء من نفسه مثل الحزن والفرح، وكذلك صفرة الرجل وحمرة الخجل ... والدرجة الثالثة: الدلالة التي يقصدها الدال، فمنها: الاعلام بغير خطاب مسموع، كمن يعلم لغيره علامات تدله على ما يريد وكإشارة الأخرس ونحو ذلك ... " (١) . ويبين في موضع آخر أن الدليل ينقسم إلى ما يدل بنفسه وما يدل بدلالة الدال به، فالخلوقات تدل على الله الخالق، فهذا مثال ما يدل بنفسه، أما ما يدل بغيره فقد يكون دالا بالمواطأة والاتفاق بين اثنين فصاعدا، مثل أن يتفق الرجل مع وكيله على علامة لمن يرسله إليه تدل على أنه أرسله مثل وضع خنصره في خنصره، ومثل وضع يده على ترقوته، ومثل شعار الناس في الحرب فلكل طائفة شعار خاص بهم يعرفون به بعضهم. وتد يدل بغيره قصدا من غير مواطأة مع المستدلين على أنه دليل، لكنهم يعلمون أنه قصد الدلالة لعلمهم بأحوال مثل أن يرسلوا عمامته أو ثوبه مع شخص فيعلمون أنه أرسلها علامة على أنه أرسله (٢) . وشيخ الإسلام إنما يهدف إلى عدم حصر الاستدلال بطريقة معينة، فإثبات الصانع وحدوث العالم، ودلالة صدق الأنبياء وغيرها لا ينحصر الاستدلال لها في قالب معين كما فعل أهل الفلسفة والكلام الذين وصل بهم الأمر إلى إنكار ما لم يأت عن غير هذا الطريق الذي زعموه.

٢- يقول المتكلمون: إنه لابد للوصول إلى العلم من النظر ولذلك يقولون: إن النظر يضاد العلم، لأنه لو كان عالما لما احتاج إلى النظر، لكن يرجع هؤلاء فيقولون: إن النظر مستلزم للعلم، وهذا تناقف، ويبين ابن تيمية أن الذي يفصل في القضية أن النظر نوعان: أحدهما: النظر الطلبي، وهو النظر في المسألة التي هي القضية المطلوب حكمها ليطلب دليلها، فهذا هو النظر الذ! ط لا يجامع العلم بل يضاده، لأنه ينظر في المطلوب فقد يجده وتد لا يجده، فهذا نظر في الحكم


(١) درء التعارض (١٠/٢٠٠-٢٠٢) .
(٢) انظر: النبو ات (ص: ٢٦٦- ٢٧٩) ، وا نظر (ص: ٣٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>