للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: الخبر، والخبر يتناول الكليات والمعينات والشاهد والغائب، فهو أعم وأشمل، لكن الحس والعيان أتم واكمل (١) .

ويوسع شيخ الإسلام- في مناسبات مختلفة- الكلام حول هذه الأدلة، ولكنه يركز على مسألة تنوع الأدلة، كما يركز على دليل الخبر الصادق، ولذلك يقول عن أهل الكلام: (إنهم قد سلموا أنه يعلم بالسمع أمور، كما يذكرونه كلهم من أن العلوم ثلاثة أقسام: منها ما لا يعلم إلا بالعقل، ونها ما لا يعلم إلا بالسمع، ومنها ما لا يعلم بالسمع والعقل، وهذا التقسيم حق في الجملة، فإن من الأمور الغائبة عن حس الإنسان ما لا يمكن معرفته بالعقل، بل لا يعرف إلا بالخبر " ثم بين طرق العلم فيقول:" وطرق العلم ثلاثة: الحس، والعقل، والمركب منهما كالخبر" (٢) ويوضح النقطة الأخيرة في مكان آخر فيقول: " إن الخبر أيضا لا يفيد إلا مع الحس أو العقل، فإن الخبر عنه إن كان قد شوهد، كان قد علم بالحس، وإن لم يكن شوهد فلابد أن يكون شوهد ما يشبهه من بعض الوجوه، وإلا لم يعلم بالخبر شىء، فلا يفيد الخبر إلا بعد الحس والعقل، فكما أن العقل بعد الحس فالخبر بعد العقل والحس، فالإخبار يتضمن هذا وهذا " (٣) .

وليس الحس وحده تعلم به الأمور إذ هناك المجريات والمتواترات، ويرى شيخ الإسلام أن هذه الأدلة توصل إلى اليقين، ولكن الخطأ الذي وقع فيه الفلاسفة وأهل المنطق أنهم جعلوا ما علم بالحس يمكن أن يستنبط منه قضية كلية عامة، يبنى عليها القانون المنطقي، يقول شيخ الإسلام عنهم: " إنهم كما حصروا اليقين في الصورة القياسية حصروه في المادة التي ذكروها من القضايا الحسيات، والأوليات والمتواترات والمجربات أو الحدسيات، ومعلوم أنه لا دليل على نفي ما سوى هذه القضايا.... ثم مع ذلك إنما اعتبروا في الحسيات والعقليات وغيرهم


(١) درء التعارض (٧/٣٢٤) ، وانظر: الاستقامة (١/٢٩) ، والرد على المنطقيين (ص: ٣٦٤، ٤٧٣) ، ونقض أساس التقديس المطبوع (٢/٥٣٩) .
(٢) درء التعارض (١/١٧٨) .
(٣) نفسه (٧/٣٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>