للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق عباده على الفطرة التي فيها معرفة الحق والتصديق به ومعرفة الباطل والتكذيب به، ومعرفة النافع المم رالمحبة له، ومعرفة الضار المنافي والبغض له بالفطرة، فما كان حقا موجودا صدقت به الفطرة، وما كان حقا نافعا عرفته الفطرة أحبته وأطمأنت إليه، وذلك هو المعروف، وما كان باطلا معدوما كذبت به الفطرة فأبغضته الفطرة وأنكرته " (١) .

ونصوص الفطرة دالة على أن كل مولود يولد على فطرة الاسلام، وهي الحنيفية المقتضية لعبادة الله وحده لا شريك له والحب والخضوع له تعالى. يقول شيخ الإسلام: " فعلم أن في فطرة الانسان قوة تقتضي اعتقاد الحق وإرادة النافع، وحينئذ فالإقرار بوجود الصانع ومعرفته والايمان به هو الحق أو نقيضه؟ والثاني معلوم الفساد قطعا، فتعين الأول، وحينئذ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع والايمان به، وأيضا: فإنه مع الإقرار به إما أن تكون محبته أنفع للعبد أو عدم محبته، والثافي معلوم الفساد، وإذا كان الأول أنفع له كان في فطرته محبة ما ينفعه، وأيضا فإنه إما أن تكون عبادته وحده لا شريك له اكمل للناس علما وقصدا أو الإشراك به، والثالث معلوم الفساد فوجب أن يكون في فطرته مقتضى يقتضي توحيده، وأيضا: فإما أن يكون دين الإسلام مع غيره من الأديان متماثلين أو الاسلام مرجوحا أو راجحا، والأول والثاني باطلان باتفاق المسلمين وبأدلة كثيرة، فوجب أن يكون في الفطرة مقتض يقتضي خير الأمرين لها، وامتنع أن تكون نسبة الإسلام وسائر الملل إلى الفطرة واحدة، سواء كانت نسبة قدرة أو نسبة قبول " (٢) .

وهذه الفطرة بما فيها من الاستعداد والقبول كافية لحصول مقتضاها من معرفة الله وعبادته، لا يشترط لذلك وجود أدلة يتعلمها من خارج، يوضح شيخ الإسلام هذه المسألة فيقول: " وإذا لزم أن يكون في الفطرة مرجح للحنيفية التي أصلها معرفة الصانع ومحبته وإخلاص الدين له، فإما أن يكون مع ذلك


(١) نقض المنطق (ص: ٢٩) .
(٢) درء التعارض (٨/٤٥٨-٤٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>